الكلام عليه إلى القول في مراتب البيان، وقد رد على القائلين بأن البيان هو العلم بطريقتن:
إحداهما: أن العرب تقول أكملت البيان، وأتممت البيان لك، وهذا يشعر بكون البيان طريقا للعلم من العلم.
والثانية: أن البيان إذا كان هو العلم، فليكن العلم بيانا، وهذا يقتضي تسمية علم الله سبحانه بيانا، وقد تقدم تعقب الأئمة فيه.
ولما أحس بعضهم بهذا الاعتراض الثاني قيد حده بأن قال: هو العلم الحادث، على حسب ما حكيناه عنه، ليسلم بهذا التقييد من المعارضة بعلم الله سبحانه، لكون علمه تعالى غير حادث.
وأما من أشار من الحادين بالعلم إلى التقييد لمفارقة الإشكال فإنه قصد ما ذكرناه من قصد الصيرفي، وبيناه من قصر هذه التسمية على ما تقدمه إشكال، على ما يشير إليه تعقب المتكلمين للحد الذي ذكرناه، وهؤلاء أيضًا يخاطبهم القاضي بما خاطب به الصيرفي، في قصره البيان على ما تقدمه إشكال، وقد تقدم بسط القول فيه.
واعلم أن النكتة التي تدور عليها هذه المذاهب أن هذه اللفظة مأخوذة من الانفصال والانقطاع، وبانت اليد عن الجسد بمعنى قطعت فصارت بقطعها متميزة عن الجسد، وبان الهلال ظهر، وفارق الخفاء، وبانت المسألة بهذا المعنى أيضا، وقد علم أن شخصا إذا استتر، فإن البصر منا لا يدركه، فإذا رفع الستر ووقع البصر الصحيح ظهر له، وفارق الستر والخفاء، ولكن هذه المفارقة للخفاء يصح إسنادها إلى وقع البصر عليه، ونفس الإدراك له، وإلى ارتفاع الستر الحائل بني البصر وبينه.
وكذلك المعاني المستورة عن العقل إذا رفعت الفكرة فيها هذا الستر حتى أدركها العقل، وحصل العلم بها فإنه قد يصح إسناد مفارقتها للخفاء، وحصولها معلومة إلى نفس الفكرة الرافعة لما أخفاها عن العقل، ويصح أن تصرف إلى نفس إدراك العقل لها، والعلم بها، فمن الالتفات إلى النظر في هذا وقع الخلاف في البيان، هل يرجع إلى الدليل أو إلى العلم، والبيان قد يطلق بمعنى التبيين، فيرجع ذلك إلى الطريق إلى العلم، وقد يكون مصدرًا من بان يبين بيانا، فيرجع إلى العلم.
فهذا سبب النزاع في معنى هذه اللفظة، لكن القاضي وغيره لما اختاروا صرفها إلى الطريق إلى العلم، قال ذلك قولا مطلقا، طردا، اقتضى هذا الذي بيناه، وزعم غيره ممن