يحصر كثرة، ثم هذه، (...) علمين، نظرا (...) [أ] نتج له ذلك (...) إليه كون (ال ...) (ص 35) المجرد فإنه خلاف لما عليه جماعة الناس، والاستدلال والنظر عند العلماء غير الدليل، فإذا رأى الإنسان كتابة ففكر هل وقعت من كاتب أم لا؟ ففكرته هي النظر، والاستدلال، ووسيلة هذه الفكرة إلى العلم بالكاتب هي الكتابة، وهي التي تسمى دليلا.
وأما النكتة الثالثة وإشارته فيها إلى كون النتائج كالمقدمات، وأخذ يضرب مثالا في ذلك من كل علم فقال: إن المهندس إذا علم أن الشيء إذا ساوى شيئين، فكل واحد من هذين الشيئين مساو لصاحبه، وعلم هذا ضرورة وأضاف إلى هذا مقدمة ثانية فعلم أيضًا على الضرورة من غير فكرة، وهي كون الخطوط الخارجة من مركز الدائرة إلى محيطها متساوية، فإنه إذا أراد أن يعرف بعد هاتين المقدمتين كون قاعدة المثلث مساوية لكل واحد من ضلعيه، فإنه لا يمكنه أن يعرف ذلك بديهة كما عرف هاتين المقدمتين، ولكنه يعرض دائرة أخرى، ويركبها على هذه، ويعرف فيها هاتين المقدمتين فيعلم بتصريفهما فيما يشكل مطلوبة علما لا يمتري فيه، ولا يجد فرقا في وضوحه بينه وبين هاتين المقدمتين المذكورتين.
فكذلك الأصولي إذا شاهد تحرك جسم وسكونه فإنه حصل له معلوم ضروري ففكر بعده هل تحركه من مكانه واجب أو جائز ويحدق الفكر مترددا بين هذين القسمين فيتضح له أنه جائز، ثم يفكر في هذا الجائز هل وقع بمقتضى اقتضاء، أو بغير مقتض؟ ويردد الفكر أيضًا بين هذين القسمين المترددين بين النفي والإثبات، فيتضح له افتقاره إلى مقتض، ثم يفكر في المقتضى هل هو نفس الجسم، أو زائد عليه؟ وهذا الذي قاله وتمثل به غير مسلم له.
ولا أحد من المحققين ينكر فرقان ما بين العلوم الضرورية والنظرية، فإذا عرف العاقل أنه موجود فلا تجد في نفسه تلفتا إلى نقيض هذا الاعتقاد، ولا يجوز رجوعه عنه، واعتقاده ضده، ولا يصغي إلى مشكك له فيه بل يتخذ كلامه هزؤا، حتى إذا قال النظام: أنتم تعتقدون أن الجوهر لا يتجزأ، وها أنا أريكم خطأكم، كيف يصح انتظام الأجسام، وأن يحيط بجوهر فرد ستة جواهر، من جهات مختلفة، ولا يقدر مع اختلاف هذه