هو به، فكيف تصور التفاضل؟ وإن كان أحدهما تعلق بالأمر على غير ما هو به، فهو جهل وإن تعلقا به على ما هو به، فلا خفاء يقدَّر.
ويقع في كلام نقلة الشرع من فقهاء ومحدثين الإشارة إلى خلاف هذا الذي قررناه، فيقولون بزيادة إيمان على إيمان، وهؤلاء من أشار منهم، إلى (...) العلم بالله، فهذا الذي يحتج بما قدمناه، ونحن وإن قلنا بما قررناه من تساوي العلوم، فإننا نمنع القول بأن إيمان أحد كإيمان النبيين صلوات الله عليهم، لأن هذا من سوء الأدب معهم في الشرع، والتسامي إلى مراتبهم، كيف وبعض أئمتنا يقول فيهم إنهم يعرفون الله سبحانه ضرورة؟ ومن قال: بل يعرفونه بالاستدلال، فلا شك في توالي المعرفة على قلوبهم، وأن قلوبهم لا تفتر من ذكر الله سبحانه، واعتقاد جلالته، وسعة ملكوته، واستشعار الخوف منه، والحياء، وإخبات القلب، وانتفاء الشكوك، وكثرة الأدلة، والطرائق الموصلة إلى المعارف، وشتان بين من أحس برد اليقين، وبين من يصارع وخز الشكوك، ومن عصم من نزغة الشيطان، وآخر يجول في ميدان قلبه الشيطان، والعلم بالله يقارنه تصديق به، وهذا التصديق به، وبكل ما جاء به رسله يتبعه توابع من الخير، من حياء بالله سبحانه ومخافة، ومسكنة، وغير ذلك من أحوال الذين اتقوا وهم محسنون.
وأما النظر في نفسه فقد اختلف فيه الأئمة فمنهم من أطلق عليه الجلي والخفي، وهذا أبو إسحاق الإسفراييني قد صنف ديوانه الكبير، وترجمه بهذا المعنى: النظر الجلي الدقيق، ومنع بعضهم إطلاق هذه التسمية على النظر، لأن الاتضاح والانجلاء لا مناسبة بينه وبين نفس الفكرة، والنظر المؤدي إلى المعارف، وإنما الجلاء والاتضاح في نفس المعارف كما تقدم. لكن من النظر ما يستند إلى مقدمة ضرورية، لا واسطة بينه وبينها، فلا ينتهض العقل إلا أدنى نهضة، ولا يجرد الفكر) إلا أدنى تجريد وقد حصل الناظر على مطلوبه، ومنها ما يكون بينه وبين المقدمة الضرورية وسائط كثيرة بيني بعضها على بعض فلا يتوصل إلى الآخر إلا بعد قطع الفكر مسافة تلك الوسائط كلها، فيكد الذهن، وتتسع الفكرة، ويبعد عن الحسيات بعدا كثيرًا، فإن أشير إلى الجلاء واعيا في النظر إلى هذا المعنى، فهو معنى صحيح، وإنما تبقى المناقشة في العبارة.