على جهة كونها وصلات وأسبابا في تحصيل هذه المندوبات، وما كان هكذا فقد تقدم مذهب أبي المعالي أنه لا يوصف بأنه منهي عنه من مقتضى الأمر بضده، وذكرنا نحن أن الجماعة لا تنكر كون النهي عنه غير مقصود في نفسه، فلعل من جانب من الفقهاء هذه التسمية في هذا النوع إنما اجتنبها لأجل كون النهي عنها إنما ورد لأجل غيرها، وهو كون اجتنابها موصلا لفعل ما أمر به.
ومن سلك من الفقهاء طريقة الامتناع من إطلاق اسم الكراهة على هذا النوع، فإنه يتطلب للمكروه حدا مأخوذا من معنى آخر، فقال بعض هؤلاء: المكروه ما اختلف في تحريمه، وهذا غلط لأن من المكروه ما اتفق على اختصاصه بحكم الكراهة من غير اختلاف في تحريمه. وأيضا فإن كل فقيه مأخوذ بمقتضى نظره، فمن أداه اجتهاده إلى تحريمه فليس بمكروه عنده على مقتضى العرف، إذ لا أحد يسمى المحرم مكروها، وإن كان قد يسمى المحرم مكروها على أصل اللغة، ومن أداه اجتهاده إلى تحليله لم يعتقد كونه مكروها على مقتضى مذهبه.
ومنهم من قال: حده: ما خيف العقاب عليه، وهذه إشارة أيضا إلى هذا الحد الذي أفسدناه، لأن الشك في حكم لا يصح بين سائر العلماء، وفي الأحكام ما اتفق على كراهته من غير شك في حكمه، وقد قال بعضهم، إذا التبست الأدلة، وغمض مدرك الحق، وأمكن مع هذا التوصل إليه، فالهجوم على ما هذا سبيله مكروه، وهذا المرمى أيضا يشير إلى نحو ما أشار إليه مذهبهم، وأفسدناه.
وقد يستمسك هؤلاء بقوله عليه السلام: "الحلال بين، والحرم بين، وبينهما أمور متشبهات"، فأشار إلى اجتناب الشبهات على حسب ما قاله هؤلاء، وبالجملة فإن مرجع الجميع إلى محاكة في لغة أاصطلاح، والنزاع فيها يهون مع تسليم المعاني المقصودة.
أصل هذه اللفظة مأخوذ من التوسعة، ومنه قولهم: باحة الدار، يعنون وسطها والموضع المتسع منها، فلما وسع على الإنسان أن يفعل أو يترك سمي هذا المعنى إباحة لما فيه من التوسعة، ولابد في حدها من التعرض للفعل والترك، كما ذكرنا في المندوب، ولكن التعرض إلى خاصية الفعل والترك اختلفت العبارة عنه، فقوم قالوا: ما فعله