بالتعرض إلى ما يرفع هذا القح، فيقال: حد الواجب: ما استحق الذم بتركه، أو العقاب، أو اللوم ـ على حسب ما قدمناه ـ على وجه ما. وإن شئت قلت بدل قولك: على وجه ما، وترك البدل منه. وقولنا: على وجه ما، ينوب عن قولنا: وترك البدل منه، ولكن قولنا: على وجه ما، يدفع قدحا آخر، لا يدفعه قولنا: ترك البدل منه، وذلك أنك قد تترك الواجب بفعل نافلة، فتكون النافلة حينئذ حراما، لما كانت تركا للواجب، وأن حكمها المختص بها للندب، ولكن الإثم لم يتعلق بها من جهة كونها ندبا، بل من جهة كونها تركا للواجب. فإذا قلت: على وجه [ما] أشرت إلى التحرز من هذا القدح.

وقد تحرز الأئمة منه أيضا بعبارة أخرى فقيل: ما استحق اللوم بتركه، من حيث هو ترك له، فأفصح هذا بالمعنى الذي أشار إليه ذلك بعبارته، وهي قوله: على وجه ما.

وهؤلاء تعرضوا إلى ما يتعلق بالترك بمعاني ليست بحكمية في ذواتها، وهي العقاب، والذم، واللوم. وسلك القاضي عبد الوهاب طريقتهم، ولكن تعرض إلى ما يتعلق بالترك من جهة الحكم، فقال: حد الواجب ما يحرم تركه، وترك البدل منه إن كان ذا بدل، والتحريم حكم من الإحرام المتعلقة بترك الواجب.

وقد طعن أبو المعالي في حد من حده من هؤلاء بأنه: ما استحق المكلف العقاب بتركه، فإن الأشعرية لا توجب على الله سبحانه مجازاة بعقاب عن عمل شر، ولا بثواب عن عمل خير، على ما عرف من أصولهم، من أن الله سبحانه له أن يعذب المطيع وينعم العاصي، فبعيد عن هذا، أصله أن يذكر الاستحقاق على الأعمال، والمعتزلة وإن لاق بأصلهم في استحقاق المجازاة على الله سبحانه، فهم يعتقدون أن الصغائر مكفرة باجتناب الكبائر، فلا عقاب عليها، وصغير الواجب على هذا عندهم غير معاقب على تركه إذا قام بجليل الواجبات، فصار الحد غير مستوعب أيضا على أصلهم، لكون بعض الواجبات لا عقاب عليها عندهم.

وعندي هذا الذي قدح به أبو المعالي على أئمتنا غير قادح، وذلك أن هذا الحد إنما تعرض فيه إلى ما استقر من واجبات الشرع، وقد اخبر الشرع عنها بحقيقة ما قلناه، وتوعد الله سبحانه تارك الواجبات بالعقاب، وأعملنا أنه يوقعه به، إلا أن يكون ممن سبق في قضائه عفوه عنه وصفحه عن ذنبه، والاستحقاق إذا ثبت بالسمع صار في القطع عليه، كالاستحقاق الثابت بالعقل.

وقد ذكرنا هذا المعنى في كتابنا "المعلم" لما تكلمنا على قوله عليه السلام: "ما حق الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015