مما يعده الفقيه من الفضائل، ويراه مع هذا تجزئ الصلاة مع عدمه، فإذا ثبت أن نفي الكمال يتضمن ثبوت الإجزاء، فإذا ادعينا نفي الإجزاء والكمال جميعا، صار الإجزاء منتفيا من حيث نفيناه هو، والكمال ثابتا من حيث إننينا الكمال يتضمن ثبوته، وإذا أدى دعوى العموم إلى كون الإجزاء ثابتا منتفيا معا، لم يصح حمل اللفظ على العموم، لأن كلام صاحب الشرع لا يحمل على التناقض بمثل هذا التصوير رد على من قال: إن اللفظ ليس بمجمل، ولكنه يعم نفي الذات وسائر أوصافها، ثم يخص الذات بالدليل الذي قام على أنه عليه السلام لا يكذب، وذلك أن هذا مذهب يوقع أيضا في التهافت والتناقض كما صورناه، لأجل أننفي الذات يتضمن نفي أوصافها، حتى لا يتوقع ثبوت الأوصاف مع انتفاء الذات، فيحتاج إلى التعرض لنفي الأوصاف، ونفي الأوصاف يتضمن ثبوت الذات، ألا ترى أنه لا يقال لمن لم يصل أصلا: صلاته جازية ولا كاملة، وإنما يقال هذا فيمن صلى على غير طهارة، أو فيمن كان في معناه، فيقال فيه: صلاته غير جازية ولا كاملة، فقد صار نفي الكمال والأجزاء يشعر بثبوت الذات، ونحن قد فرضنا الذات منتفية بحق العموم النافي لها ولأوصافها (ص 93) فتصير الصلاة منتفية بحكم النطق، ثابتة بحكم الضمن الذي استفيد من نفي أوصافها، وهذا متناقض متهافت، لا يصح حمل كلام صاحب الشرع عليه.
وقد قيل: إن حمل هذا اللفظ على نفي الأوصاف، كأنه تعرض لنفي الذات، لأن المراد بقوله: "لا صلاة" الصلاة الشرعية، والصلاة الشرعية لا شك في أنها لم تقع أصلا، فصار هذا النفي للأوصاف كالمخيل لنفي الذات، وهذا على التحقيق لا يتعدى نفي الأوصاف، إذا قلنا: إن ما ليس بشرعي من صوم وصلاة يسمى في اللغة صوما وصلاة، ولكن قد يظهر هذا التخيل لو صورنا وقدرنا أن اللغة لا تسمى الصلاة الفاسدة صلاة، وقد ذكرنا أن المحققين قطعوا بأن اللفظ منصرف إلى الأوصاف لا للذات، ولكنهم على مذاهب في هذا الانصراف، فمن واقف بين الأوصاف لاحتمال اللفظ لجميعها، لإنكاره القول بالعموم على الإطلاق، ومن واقف لإنكاره العموم في المحذوفات، ومن واقف لإنكاره العموم في مثل هذا. ولو صح القول به على الإطلاق في المنطوقات والمحذوفات لما يؤدي إليه من التناقض.
وسلك أبو المعالي مسلك هؤلاء في صرف اللفظ إلى نفي الأوصاف دون الذات، وسلم الاحتمال في الأوصاف، ولكنه خالف من تقدمه فرأى أن الاحتمال لا يتساوى فيها، بل اللفظ في أحدها أظهر من الآخر، فحملها على نفي الإجزاء، لأجل أن صريح اللفظ يعرض لنفي الذات الواقعة على جهة المبالغة، والمناسب لهذه المبالغة نفي إجزاء العبادة، لأن ما لا يجزي كما يفعل، فوقع بالنسبة والتناسب في المبالغة من هذه الجهة، ولا