يؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ويصدقه في كل ما يقول، وكان مما قال أنه كان لا يؤمن به، ولا يصدقه، فصار محصول تكليف أبي لهب أن قال له: صدقني، في أنك لا تصدقني، فهذا تكليف الجمع بين متنافرين متناقضين.
وقد أشير إلى الجواب عن هذا إلى طريقتين، أما من قال إن الذي كلفه للناس أولا إظهار الشهادتين، فإن معنى تكليف أبي لهب الإيمان أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهذا القول يمكنه إيقاعه قبل أن يخبر بأنه لا يؤمن، وبعد أن أخبر.
وأما من يقول ـ وهو الذي قاله الجمهور ـ إن أول ما كلف فيما نحن فيه اعتقاد الإيمان بقلبه. فإنما نجيب عن هذا إنما كلف تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يقول على الجملة قبل أن ينظر في تفصيل أخباره، وعن كل خبر، وهذا التصديق على الإجمال من (...) لتفاصيل الأقوال ممكن.
وقد اجتمع في أبي لهب فصلان: علم بالله سبحانه بأنه لا يؤمن، وخبره بذلك، فلهذا كثر استدلال [الجمهور بذلك]. أما من سواه من الكفار كأبي جهل وغيره، وممن علم الله سبحانه أنه لا يؤمن فقد صار إيمانه كالممتنع إيقاعه لأنه لو وقع لخالف علم الله سبحانه، ومخالفة علم الله سبحانه لا تصح، ولكن هذا الامتناع ليس براجع إلى عدم الإمكان [من ناحية العقل] بل إيمان هؤلاء ممكن في نفسه، متأت في علم الله سبحانه، لا يصير الممكن غير ممكن، لأن العلم لا يؤثر في المعلوم [إن تعقل بعلم]، فعلم الله سبحانه وعلمنا لا يؤثر فيه.
فإذا ثبت أن العلم يتبع المعلوم على ما هو عليه، فلا يؤثر فيه، وكان إيمان [الكفار] ممكنا بقي على إمكانه، وإن تعلق العلم به، ألا ترى أنهم لا يصير الإيمان في حقهم كالمعجوز عنه، المستحيل إيقاعه لأجل تعلق [علم] الله سبحانه بأنه لا يقع منهم، بل المعلوم أن تأتيه منهم كتأتي غيره من الأفعال التي لا يعلم ما علم الله سبحانه من مآلها، وهذا [مذكور] في كتب أصول الديانات.
ونذكر هناك أن كون خلاف المعلوم مقدور، وهو الصحيح من القولين إن شاء