ولكن الواقفية مختلفون [في] الوقف:
فمنهم من يراه وقف جهالة بما عند العرب، والذي عندهم كون هذا اللفظ مشتركا بين المصارف التي عددناها، فيقول هؤلاء: قد ثبت استعمال هذا اللفظ فيما عددناه من المصارف، وقلدنا في ذلك (ص 75) قرآنا، فحصل من هذا الاشتراك التردد بين معاني شتى فنقف، حتى نستبين المراد باللفظ، كما يفعل في اللفظ المحتمل، كقولنا: قرء، ولون، ولا يلزمنا هاهنا الاستدلال على صحة القول بالوقف، لأنا إنما أردنا به أن العرب استعملت هذا اللفظ في معان شتى، واستعمالها في معان شتى قد ثبت في القرآن، وزيادة على هذا لم نثبتها فنطالب بالدليل عليها، كما يطالب من أثبت زيادة على هذا فقال: إن العرب إنما وضعت اللفظة في الأصل لأحد هذه المعاني، وإنما يفهم عنها بقية المعاني التي عددناها بقرينة، لأن هؤلاء مدعون على العرب أمرا، فهم مطالبون بإثباته.
وأما الآخرون الذين يصرفون الوقف إلى الجهالة بما عند العرب فإنهم يثبتون ما أثبت هؤلاء من تردد الفظ بين هذه المعاني. ويجوز أن يكون العرب وضعته في الأصل لأحد هذه المعاني، وإنما يصرفه عن هذا المعنى بدلالة، ولكنهم يجهلون هذا المعنى الذي يمكن أن تكون العرب وضعته له.
وقد رد أبو المعالي هذا المذهب بالاستبعاد المحض، فقال إن هذه اللفظة تكرر على الألسنة على مر الأعصار، وبعيد مع تكررها ألا يبحث عنها، وإذا بحث عنها فبعيد ألا يعرف ما عند العرب فيها.
وهذا الذي قاله لا يوثق [به] في رد هذا المذهب، لأنا لا نحيل إضراب العرب عن وضع عبارة بمعنى معقول، وإن تكرر، ولو أحلناه لم يشترط وضع عبارة بعينها نقترحها عليها، وقد وضعت للدلالة على الأمر، وعلى الوجوب ألفاظا تعرب عما في النفس من ذلك فتقول: أمرتك، وما في معناه، وأوجبت عليك، وألزمتك، وما في معناه، ولو قلنا بالاقتراح عليها أن نضع لفظة افعل، فما المانع أن يكون وضعتها، وعلم وضعها قوم، وجهله آخرون.
ولكن إذا قال من زعم هذا إنه يعلم مذهبها، طلب بالدليل عليه حتى يبينه، ولا، لعمري هذا يلزم منه الانتقال عن التردد إلى التعيين، ولكن تبقى المطالبة في التعيين.
وأما من نقل عن الأشعري الوقف، إن ظهرت القرائن فقد أغلى، وإن ثبت نقله،