ويتعلق بهذا الفصل أيضا تعليل الواجب، وهم يمنعونه، ونحن لا نمنع من تعليل الواجب، فلو سلمنا كون هذه الأوصاف التي عددناها من الواجبات لم يمتنع عندنا افتقارها إلى مقتض، وهم مروا على أصلهم في أن الواجب لا يفتقر إلى مقتض، على أنا نناقضهم، فيما قدروه واجبا تابعا لجائز، فنقول: قلتم الحدوث جائز فافتقر إلى مقتض، ولكنه إذا ثبت وجوب التحيز، فوجوبه يغنيه عن مقتض، فهلا قلتم بعكس هذا إن تحيز الجوهر جائز؟ فإذا أوقعه فاعله تضمن حصول الحدوث، لأن حدوث الجوهر وتحيزه مقترنان يستحيل أن يفارق أحدهما الآخر، وكون الحدوث أعم من التحيز لا يغني هاهنا، لأنا إنما ننظر في الجوهر فوجدنا حدوثه وتحيزه، قد تبين لا يفترقان، فمن أين لكم التحكم بأن تجعلوا أحد القرينين جائزا، والآخر يجب عنه؟ لأجل استحالة المفارقة، دون أن تجعلوا الأمر بالعكس، فتحكموا لما جعلتموه جائزا بأنه واجب، ولما جعلتموه واجبا بأنه جائز، وهذا يوقفهم عن هذا التحكم الذي تحكموا به.
هذا وقد ثبت أن هاهنا واجبا، ولا يستغني بوجوبه عن مقتض، ألا ترى أن بذكي النظر إذا حصل، وقع العلم، والعلم الواقع بعده واجب وقوعه، ثم وجوب وقوعه لا يمنع من القول إنه افتقر إلى مقتض.
فهذا كله مستقصي في كتب العلل والصفات وغير ذلك.
الكلام فيه من وجهين:
- أحدهما: هل للأمر صيغة؟
- والثاني: ما مقتضى الصيغة إذا ثبتت؟
فأما الوجه الأول، فاعلم أن قولنا صيغة مأخوذ من الصياغة. فلما نظر الفقهاء إلى الأمر القائم بالنفس، ووجوده حقيقة ثابتة مثل سائر الحقائق، نظرت هل وضعت له العرب كلمة ركبت من حروف على نظام ما؟ فكان تركيبها كصياغة التبر حليا، فلهذا سموها صيغة.
وقد اختلف الناس في هذا، فالأكثرون منهم على أن للأمر صيغة وضعت للدلالة على ما في النفس، والأقل منهم على أن العرب لم تضع له صيغة معلومة تدل عليه، ولا آلة اختصاص، ويحتج هؤلاء بأن قصارى ما يدعي في ذلك لفظة واحدة، وهي القول: افعل،