ولا خلة ولا شفاعة)، وقال: (فلا رفث ولا فسوق) فبنيت كل واحدة من هذه النكرات الست على الفتح، لما صحبها حرف "لا"، وإنما تبنى مع الاتصال، لا مع الانفصال، ألا ترى قوله سحبانه: (لا فيها غول) رفع غول، لما حال بينه وبني حرف لا، حرف الجر، وما اتصل به من ضمير، ولو كان الذي وليها مضافا، لم يكن مبنيا، تقول: لا غلام زيد يطيعه، ولا صحاب امرأة يحسن إليها.
وقد ترد لا زائدة، مقحمة قال تعالى: (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك)، وهو سبحانه إنما أمر إبليس بالسجود، وعلى تركه وبخه، فكان الأصل فيه أن يقول: ما منعك أن تسجد؟ كما قال في بعض الآي: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) فلا، مزيدة في الآي التي فيها أن لا تسجد، لأن ظاهر هذا أنه إنما وبخه على السجود، لا على تركه، ألا تراه قال: (ما منعك أن تسجد إذ أمرتك) فكأنه يقول: ما منعك أن تترك السجود؟
وهذا لا يصح أن يراد، لأن إبليس قد ترك السجود وكان عاصيا في تركه، لا في فعله، إذ بفعله أمر، لا بتركه، لكن حسن دخول هذا الحرف هاهنا، ما انطوى عليه الكلام من النفي، لأن الامتناع من الفعل يتضمن انتفاء الفعل، وحرف لا يتضمن الانتفاء، فكأنه أقحم هاهنا، وزيد ليؤكد ما انطوى الكلام عليه من معنى النفي، فصار كقوله: ما منعك بتكرير هذا اللفظ مرتين أن تسد، وناب حرف لا في تأكيد معنى: ما منعك بتكرير لفظه عن تكريره لما أشعر بمعناه من النفي الذي ذكرناه
وهذا أيضا هو ما قدمناه عن ابن جني في إبدال حروف الجر بعضها من بعض وإنما اشترط كون الحرف المثبت يشعر بمعنى فعل محذوف آخر، يسد مسد الفعل المثبت. فهذا الذي أشار إليه، وقد بسطناه فيما تقدم، وهو من هذا الأسلوب الذي نحن فيه.
وقد اشترط أبو المعالي أنها لا تزاد إلا بهذه الشريطة، وهي تأكيد معنى النفي الذي النطوى عليه سياق الكلام، وأبان عن حصول هذا المعنى في قوله تعالى: (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك)، لكنه قد يطالب بإبراز مثل هذا المعنى في قوله تعالى: (لئلا يعلم أهل الكتاب