على أن الباء في قوله: (بإلحاد) من باب تعليق العمل، لأن الإلحاد من عمل الملحد، وقوله: (بظلم) الباء فيه من باب تعليق الاختصاص، لأن الظلم مختص بالإلحاد.
وأما تعلق الاتصال فهو كثير في الاستعمال منه: ضربت بالسوط، وكتبت بالقلم، ومن الناس من يقدر الباء بمعنى الحال، يقول: جاء زيد بسلاحه، أي متسلحا، وبمعنى البدل، تقول: هذا بهذا، وبمعنى في تقول: زيد بمصر أي في مصر.
وهذه كلها عندي أمور تتفاوت، وإنما هذا من القوم اتساع في العبارات، وإلا فزيد بمصر، فيه معنى التعلق والالتصاق، وكذلك جاء متسلحا، وكذلك هذا بهذا فيه تعلق معلوم، فلم تخرج هذه الأنواع عما قدمناه.
وأما تأويل الشافعي قوله تعالى: (ومنهم من إن تأمنه بدينار) على أن المعنى: تأمنه على دينار، ورأى أن حرف الباء يرد بمعنى على، وكذلك تأويل سيبويه قوله تعالى (ولم أكن بدعائك رب شقيا) أن الباء تكون بمعنى لأجل، وتقدير الكلام: ولم أكن لأجل دعائك رب شقيا، وقول غيره: إن الباء هاهنا بمعنى في، فالمعنى في دعائك رب شقيا، فإن هذا من باب إبدال حروف الجر، بعضها ببعض.
وقد ذكر ابن جني في كتابه المترجم: بالخصائص، وهو من أعيان كتبه، فصلا كشف فيه سرا من أسرار العربية، وأغرب فيه، وذلك أنه أشار فيه، أن إبدال حرف بحرف جزء آخر لا سبيل إلى إطلاق القول به، لما يقتضيه من إفساد الكلام، وتثبيج النظام، ولا وه لإنكاره، مع وجوده في الكلام الفصيح، فالواجب وضع قانون يعلم منه ما يحسن من هذا الإبدال، وما لا يحسن، فالعرب تحرص على الاختصار في الألفاظ، وتوفير المعاني، فربما كان الفعل الواحد يعبر عنه بصيغتي مختلفتين تتعدى إحداهما بحرف، وتتعدى الأخرى بحرف آخر خلافه، فقد تورد إحدى الصيغتين، وتعديها بحرف الصيغة الأخرى، ليشعر سامع الخطاب بالفعل المحذوف، فيكون كالسامع للصيغتين معا.
ألا ترى قوله سبحانه: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) والرفث: الجماع، كما أن الإفضاء هو الجماع، لكن الإفضاء يتعدى بحرف إلى، تقول: أفضيت إلى المرأة، ورفثت بالمرأة، فلما ذكر الرفث، ترك حرفه الذي يتعدى به، وعدي بحرف إلى، الذي هو مختص بالإفضاء ليشعر السامع أن الرفث هاهنا هو الإفضاء المحذوف ذكره، فكأنه قال تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم، والإفضاء إلى نسائكم، فأتى بقول