ومنهم من زعم أن الشرع غير اللغة، ونقلها عن موضوعها، وأشار بالحروف، والنظام اللغوي إلى مسمى غير مسمى، وقدر أن هذه الأحرف التي هي الصلاة صاغتها العرب ونظمتها مشيرة بها إلى ما قدمناه عنهم، واستعملتها العرب، واستعملها صاحب الشرع، مشيرا بها إلى ركوع، وسجود، وقيام، وقعود، على ما عرف من أحكام الشرع في الصلوات، وهكذا بقية ما عددناه من تلك المسميات.
وتوسط آخرون فرأوا أن الشرع لم يغيرها تغييرا كليًا، ولا أقرها إقرارا كليا، بل حذا حذو العرب [في البناء] على معانيهم معاني أخر، وصرف تلك التسمية إليها، وجعل هذه الجملة مسماة بتلك التسمية الواقعة [موقع] الفرد من هذه الجملة، الذي هو الدعاء، وإذا تصورت المذاهب، وتمثلتها. ففائدة هذا الباب أن الظواهر (...) تفتقر إلى عرضها على هذه المذاهب، فيقول مثلا الخارجي: الزاني مخلد في النار، ويستدل على ذلك بما ورد من الظواهر في تخليد الكفار في النار، فإذا نوزع في تسمية الزاني كافرا، لأن العرب لا تعرف الكافر إلا من غطى الشيء وستره، كالجاهل بالله، الجاحد لنعمه، قال: غير هذه ونقلها عن موضوعها في اللغة، ألا تراه قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، فسلبه تسمية الإيمان، فدليل هذا أنه كافر.
ويقول المعتزلي: ليس سلبه الإيمان يثبته كافرا بل الزاني لا مؤمن، ولا كافر، فترى التغيير للتسمية وقع من الشرع على ما حكيناه عنهم.
ويقول الأشعري: الحديث متأول، بمعنى من زنا مستحلا، أو بغير ذلك من التأويلات التي ذكرناها في كتاب المعلم بفوائد مسلم، فنمنع بالتأويل في كون الشرع مغيرا للغة.
وعلى هذا الأسلوب يجري في الأسماء الشرعية، فيقول قائل فيمن صلى ولم يقرأ قرآنا أصلا ولا دعاء: صلاته باطلة، لأن هذا أتى بما يسمى في اللغة صلاة، وقد قال تعالى: (وأقيموا الصلاة)، وهذا لم يفهمها فيقول من يرى صلاته صحيحة، وإن لم يدع، ولا قرآ قرآنا رعى الشرع غير اللغة، واراد بهذه التسمية الركوع والسجود، وغير ذلك من المقصود عنده في الصلاة، فلا يكون في الظاهر حجة عليه، أو ينازع في مراد العرب، ويقول الصلاة عندها مأخوذة من الملازمة، والقبول على الشيء، والراكع والساجد القائم القاعد،