ورد في نصوص الكتاب والسنة ما يشير إلى هذا الفن، ويدل على اعتبار الفرق، فالكتاب كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (?) فقد دلت هذه الآية على وجود التشابه بين البيع والربا في الصورة الظاهرة، إلا أن الله تعالى فرق بينهما في الحكم.

وأما السنة: فكقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يغسل من بول الجارية، وينضح من بول الغلام" (?) ففي الحديث التفريق في الحكم بين شيئين متشابهين في الصورة الظاهرة.

وقد أدرك ذلك الفقهاء الأوائل من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين، وتفطنوا إلى الفوارق المؤثرة بين كثير من المسائل المتشابهة، وما اختلافهم في أحكام كثير من المسائل الفقهية إلا نتيجة إدراك بعضهم فروقًا دقيقة، ومعاني خفية مؤثرة، لم يدركها البعض الآخر، أو لم يعتبرها مؤثرة في الحكم.

ومما يدل على ذلك أيضًا ما جاء في خطاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: (اعرف الأشباه والنظائر وقس الأمور عندك، فاعمد إلى أحبها إلى الله، وأشبهها بالحق فيما ترى. .) قال العلامة السيوطي

تعليقًا على هذا القول: (وفي قوله "فاعمد. . ." إشارة إلى أن من النظائر ما يخالف نظائره في الحكم لمدرك خاص به، وهو الفن المسمى بالفروق) (?).

وبالنظر في مصنفات الفقهاء الأوائل يجد المطالع لها التنبيه على المسائل المتشابهة، والتفريق بينها في الحكم واضحًا في تلك المصنفات، كالمدونة عن الإمام مالك، والأم للإمام الشافعي (?)، والمسائل المروية عن الإمام أحمد، ومن أقدم المصنفات التي ظهر ذلك فيها بكل وضوح: الجامع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015