فإنه أشد مناسبة لإسقاط القود من القتل لإثباته من جهة أن شفقة الأب تمنع عادة من تعمد قتل الولد، بخلاف الأجنبي فهذا تغليب أحد المناسبين فارقًا، وأما تغليبه جامعًا فهو: أنه لا فرق عندنا في قتل الأب ولده بين أن يضربه بسيف أو يرميه بسهم أو يذبحه، فإنه لا يقتل به تغليبًا للمعنى الجامع، وهو الإشفاق الوازع، وإلغاء للمعنى الفارق، وهو خصوصية الذبح، إذ هو بالنسبة
إلى الجامع المذكور طردي، ومالكٌ لما رأى خصوصية الذبح مناسبة للقود فرق بينهما؛ لأنه فيما سوى الذبح يحتمل أنه أراد ترويعه تأديبًا، فأفضى إلى قتله خطأ، بخلاف الذبح فإن احتمال التأديب فيه متلاش، وحينئذٍ يقال: قاتل متعمد، فوجب عليه القصاص كالأجنبي، ويلغو وصف الأبوة؛ لأنه وإن كان مناسبًا لعدم القود فمناسبة العمد المحض لإثباته ترجحت عليه.
وأما تقارب الجامع والفارق في المناسبة حتى يتجه الخلاف، فمثاله: إيجاب كفارة الصوم بالأكل، وإيجاب الزكاة في مال الصبي، أما في الصورة الأولى فمن اعتبر عموم إفساد الصوم أوجب الكفارة، وقال: مفسد للعبادة أشبه المجامع، ورأى خصوصية الجماع وصفا طرديًا ألغاه بتنقيح المناط.
ومن اعتبر خصوص الإفساد جعل الجماع فارقًا مؤثرًا بما سبق، فلم يثبت الحكم بدونه.
وأما في الثانية، فلأن بين الصبي والبالغ جامعًا وهو ملك النصاب الزكوي ملكًا تامًا، وهو مناسب لاشتراكهما في تعلق الزكاة بمالهما، وفارقًا وهو كون البالغ مكلفًا بالعبادات، والزكاة عبادة فلزمته، بخلاف الصبي، فمن اعتبر الجامع أوجب الزكاة في مال الصبي، ومن اعتبر الفارق أسقطها عنه.
وعلى هذا النمط تجري مسائل الأحكام في الجمع والفرق، وقد يظهر الفرق ويخفى ويتوسط، فيحتاج إلى نظر بحسبه في ذلك) (?).