فَبْيَنَمَا هُمْ جُلُوسٌ أَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَاتِ المَبِّرئةَ لِعَائِشَةَ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْها، فَسُرِّيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَضَحِكَ، وَقَالَ لَهَا: (أَبْشِري يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ بَرَّأكِ) .
وَبَعْدَ أَنْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَاتِ أَقْسَمَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لاَ يُنْفِقَ عَلَى مِسْطَحٍ أبداً، فَأَنْزَلَ اللهُ قَوْلَهُ: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة أَن يؤتوا أُوْلِي القربى} إلى قَوْلِهِ تَعَالَى {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ} . فَقَالَ أَبُو بَكْرِ واللهِ إِتِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ.
وَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَاتِ أقامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّ القَذْفِ عَلَى رَجُلَيْنِ هُمَا حَسّانُ بنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ وَمِسْطَح، وَعَلَى امْرأةٍ هِيَ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ لأُخْتُ زَوْجَتِهِ زَيْنَبَ بِنتِ جَحْشٍ، فَضَرَبَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم ثَمَانِينَ جَلْدَةً) .
وَمَعْنَى الآيَةِ: إِنًَّ الذينَ جَاؤوا بِحَديثِ الإِفْكِ، وَهُوَ الكَذِبُ والبُهْتَانُ وَالافْتِرَاءُ، هُمْ جَمَاعَةٌ مِنْكُم (عُصْبَةٌ) فَلا تَحْسَبوا أَنَّ فِي ذَلِكَ شَرّاً لَكُمْ وَفِتْنَةُ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ، فَهُوَ لِسَانُ صِدْقٍ فِي الدُّنْيَا، وَرَفْعَةُ مَنَازِلَ فِي الآخِرَةِ، وَإِظْهَارُ شَرَفٍ لَكُمْ بِاعْتِنَاءِ اللهِ تَعَالَى بِعَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنينَ، إِذْ أَنْزَلَ اللهُ بَرَاءَتَهَا فِي القُرْآنِِ. وَلِكُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا الأَمْرِ وَخَاضَ فِيهِ، وَرَمَى أَمَّ المُؤْمِنِينَ بَشَيءٍ مِنَ الفاحِشَةِ، جَزَاءُ مَا اجْتَرَحَ مِنَ الإِثْمِ، بِقَدَرِ مَا خَاضَ فِيهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ تَكَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَمِعَ وَضِحِكَ سُرُوراً بِمَا سَمِعَ، وَمِنْهُم مَنْ كَانَ ذَنْبُهُ أَقَلَّ، وَبَعْضُهم مَنْ كَانَ ذَنْبُهُ أَكْبَرَ. والذِي تَوَلَّى مُعْظَمَ الإِثْمِ مِنْهُمْ (كِبْرَهُ) - وَهُوَ عَذَابٌ عَظِيمٌ عَلَى ذَلِكَ الإِفْكُ - أَقْبَحُ الكَذِبِ وأَفْحَشُهُ.
عُصْبَةٌ مِنْكُم - جَمَاعَةٌ مِنْكُم.
تَوَلَّى كِبْرَهُ - تَوَلَّى مُعْظَمُهُ.