{الشيطان} {آيَاتِهِ}
(52) - أَوْرَدَتْ بَعْضُ كُتًُب التَّفْسِير فِي أًَسْبَاب نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ قِصَّةً غَريبَةً تُعْرَفُ بِقَصَّةِ الغَرَانِيق. والفُرْنُوقُ طَائرٌ أَبْيْضُ. . وَتَقُولُ القِصَّةُ إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ في مَكَّةَ سُورَةَ النَّجْمِ في حُضُور جَمْعٍ مِنَ المُسْلِمينَ والمُشْرِكِينَ فَلَمّا بَلَغَ في قِراءَتِهِ {أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى} أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ (تِلْكَ الغَرَانِيْقُ العُلَى وإنّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى) فَقَالَ المُشْرِكُونَ مَا ذَكَرَ آلِهَتَنَا بخَيْر قَبْلَ اليَوْم. فَلَمَّا خَتَمَ السّورَة سَجَدَ وَسَجَدُوا. فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ الله (صلى الله عليه وسلم) فَنَزَلَ تَسْلِيَةً لَهُ {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ. . الآيَةَ} .
وَلَكِنَّ عْلَمَاءَ المُسْلِمِينَ الثِّقاتَ (مِثْلَ القَاضِي عِيَاضٍ والفَخْر الرِّازيَّ والقْسْطَلاَّني وابن إٍِسْحَاقٍ والأمام محمد عبده. . الخ يَقُولُونَ إِنَّه لاَ يَجُوزُ عَلَى النَّبيِّ تَعْظِيمُ الأوْثَانِ. وَلَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ لارْتفَعَ الأَمَانُ عَن شَرْعهِ، وَجَوَّزْنَا في كُلِّ واحِدٍ مِنَ الأحْكَامِ والشَّرَائع أَنْ يَكُونَ كَذَلِك أي مَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ. وَيَقُولُونَ إِنَّ هَذِهِ القِصَّةَ مِنْ وَضْع الزَّنَادِقَِ.
وأفْرَدَ عَالِمُ حَلَب الجَليلُ الشَّيْخُ عَبْدُ الله سِرَاجُ الدِّين فَصْلاً مُطَوَّلاً في كِتَابِه (هَدْي القُرْآن الكريم إلى الحجة والبرهان) لِنَفِي هَذِهِ القِصَّةِ، وَتَأْكِيدِ عَدَم جَوَاز وُقُوعِها.
وَيَتَلَخَّصُ رَأْيُ القَائِلين بِنَفْي القِصَّة في الآتي:
1) - يَمْتَنِعُ في حَقِّ النَّبيَّ (صلى الله عليه وسلم) أَنْ يَتَمِنَّى أَنْ يَنْزلَ عَلَيْهِ شَيءٌ مِنَ القُرْآنٍِ في مَدْح آلِهةٍ غَيْر الله لأنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ. كَمَا يَمْتَنعُ في حَقِّه أَنْ يتَسَوَّدَ الشَّيْطَانُ عَلَيْه، وَيُشَبِّهَ عَلَيْهِ القُرْآنَ حَتَّى يَجْعَلَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَيَعْتَقِد النَّبيّ أنّ مِنَ القُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ حَتَّى يُفْهمَهُ جِبْرِيلُ ذَلِكَ.
2) - يَمْتَنِعُ بِحَقِّ النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) أَنْ يَقُول ذَلِكَ مِنْ قِبَل نَفْسِهِ عَمْداً أَو سَهْواً، فَالنَّبيَّ مَعْصًوُمٌ مِنْ جَرَيَانِ الكُفْر عَلَى لِسَانِهِ أوْ قَلْبهِ عَمْداً أََو سَهْواً، أوْ أَنْ يًَشْتَبِهَ عَلَيْهِ المَلَكُ وَمَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ، أَوْ أَنْ يَكُونَ للشَّيْطَانِ عَلَيْه سَبيلٌ.
3) - وَيَقُولُ العَالِمُ الهنْدِيّ مُحَمَّد عَلي إن قِراءةَ الآيَاتِ مُتَسَلْسِلَةً تُظْهِرَ أنْ لَيْسَ مِنَ المَعْقُولِ أَنْ تُحْشَرَ بَيْنَها آيَاتٌ مُناقِضَةٌ لَها في أَصْلِ العَقِيدَةِ الاسْلاَميَّةِ. وَصُلْب دَعْوَة مُحَمَّد، دَعْوَة التَّوْحِيدِ.
4) - وَيَرى الامَامُ الشَّيْخُ مُحَمَّد عَبْدُه أنَّهُ يُمْكِنُ تَفْسِيرُ الآيَةِ بِمَا يَلي:
لَمْ يُرْسِل الله رَسُولاً نَبيّاً إلى قَوْمٍ إلاَّ وتَمنَّى أَنْ يَتَّبعهُ قَوْمُهُ وأنْ يَسْتَجيبُوا لِمَا يَدْعُوهُم إلَيْهِ. وَلَكِنَّ مَا تَمَنَّى نَبَيّ وَلاَ رَسُولٌ هَذِهِ الأمْنِيَة السَّامِيَة إلاّ ألْقَى الشَّيْطَانُ في سَبيلِهِ العَوائِق وأثار الشكوك وَوَسْوسَ في صُدُور النَّاس، لَسْلِبَهُم القُدْرَةَ عَلَى الانْتِفَاع بما وُهِبُوهُ مِنْ قُوَّةِ العَقْل، وسَلاَمَة الفِكرِ، فَثَاروا في وَجْهِ النَّبيِّ وصَدّوهُ عَنْ غَايَتِهِ. فإذَا ظَهَروُوا في بادِئ الأمر ظَنّوا أنَّهُمْ عَلَى الحَقْ، وَلَكِنَّ كَلِمَةَ الله سَتَكُون دَائماً هِي العُلْيا، وَكَلِمِةُ الشَيْطَانُ وأعوانِهِ هِيَ السُفْلى دائماً.