الْوَجْه الثَّالِث أَنه وَإِن علم ذَلِك فانه خَارج مخرج الْوَعيد لَا مخرج الاخبار الْمَحْض وَالْفرق بَينهمَا وَاضح فان الْوَعيد مَشْرُوط بِعَدَمِ التَّوْبَة مثل وَعِيد جَمِيع الْكَافرين
الْوَجْه الرَّابِع أَنه لَا مَانع من أَن يكون الْخَبَر وَالْقَضَاء وَالْقدر وَالْكِتَابَة فِي مثل ذَلِك مَشْرُوطَة وَيكون مِمَّا يجوز أَن يدْخل فِي قَوْله تَعَالَى {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب} وَيدل عَلَيْهِ حَدِيث لَا يرد الْقَضَاء إِلَّا الدُّعَاء رَوَاهُ الْحَاكِم وَفِي الْبَاب عَن معَاذ وَعَائِشَة وَأبي هُرَيْرَة ذكرهَا الهيثمي وَرُوِيَ عَن أبي قلَابَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ إِن كنت كتبتني فِي أهل الشَّقَاء فامحني وأثبتني فِي أهل السَّعَادَة وَقَالَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرِجَاله رجال الصَّحِيح إِلَّا أَن أَبَا قلَابَة لم يدْرك ابْن مَسْعُود وَهَذَا بَاب وَاسع وَقد ذكره الْغَزالِيّ وَغَيره فِي الْجَواب على مَا من قَالَ مَا فَائِدَة الدُّعَاء وَالْعَمَل مَعَ سبق الاقدار وجوده ابْن قيم الجوزية فِي الْجَواب الْكَافِي ونقلته فِي العواصم وزدت عَلَيْهِ زيادات مفيدة
الْوَجْه الْخَامِس أَنه لَيْسَ فِي الْخَبَر أَنه لَا يُؤمن فَيجوز أَبُو لَهب فِي نَفسه حِين يسمعهُ أَن يكون لَو آمن من الْمُؤمنِينَ العصاة وَأَن يدْخل النَّار بذلك ويطمع فِي الْعَفو بعد دُخُولهَا على الاصل فِي حسن ذَلِك عقلا أَو لسماعه أَن السّمع ورد بذلك فانه لَا مَانع من ذَلِك فاذا جوز أَبُو لَهب وَمن فِي حِكْمَة هَذِه الْأُمُور أَو بَعْضهَا قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة والعذر الْحق الَّذِي هُوَ سنة الله تَعَالَى فِي عدله وحكمته يَوْم الْقِيَامَة فَكيف مَعَ هَذِه الْأُمُور واحتمالها يجوز للعاقل أَن يقطع على أَن تَكْلِيف الْمحَال قد وَقع والتقول على الله بِمَا لم يقل كالكذب عَلَيْهِ والتوصل إِلَى ذَلِك بالشبه الواهيات صَنِيع المخذولين من أهل الضلالات فان الاجتراء على الابتداع فِي الدّين ذَنْب عَظِيم وَرُبمَا أدّى صَاحبه إِلَى الْكفْر وَالْعِيَاذ بِاللَّه وَهل ذَلِك إِلَّا كالاحتجاج على تَجْوِيز الْوَلَد بقوله تَعَالَى {قل إِن كَانَ للرحمن ولد فَأَنا أول العابدين} مَعَ وجود النُّصُوص الجمة على بطلَان ذَلِك وتعظيم تقبيحه بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى