فِي المرحومين من الْعباد لَو لم تذنبوا لذهب الله بكم وَجَاء بِقوم يذنبون كي يغْفر لَهُم رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي أَيُّوب وروى مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة نَحوه بِزِيَادَة وَهِي كي يَسْتَغْفِرُوا فَيغْفر لَهُم وَله شَوَاهِد عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة ذكرتها فِي العواصم

وَهَذَا الْقسم أوضح الْقسمَيْنِ فِي الْحِكْمَة أَعنِي قسم المرحومين من الْخلق فَهَذِهِ الْآيَة الْمُتَقَدّمَة ظَاهرهَا ارادة وُقُوع الضلال مِنْهُ مَعَ أَنه عبارَة عَن الْمعاصِي الْمَكْرُوهَة بِنَصّ قَوْله تَعَالَى {كل ذَلِك كَانَ سيئه عِنْد رَبك مَكْرُوها} فَجعلُوا معاصي المعاقبين ذَات وَجْهَيْن كاليمين الْغمُوس الْوَاجِبَة فِي الْحُقُوق وَهِي حرَام ووجوبها وتحريمها مجمع عَلَيْهِمَا وَذَلِكَ يُوجب صِحَة اعْتِبَار الْجِهَتَيْنِ فِي هَذِه الْأُمُور لِأَن الْوُجُوب والقبح ضدان يَسْتَحِيل أَن يتوهما إِلَى جِهَة وَاحِدَة

وَالْجَوَاب أَن الْآيَة غير نَص فِيمَا قَالُوا لاحْتِمَال أَن المُرَاد هُوَ جعل صَدره ضيقا حرجا وَذَلِكَ هُوَ فعل الله تَعَالَى وَهُوَ حسن لَا قبح فِيهِ لِأَنَّهُ عُقُوبَة مُسْتَحقَّة بل ذَلِك بَين فان الاضلال غير الْمعاصِي بل سَبَب لَهَا وفاعله غير فاعلها لَكِن ظنُّوا أَنَّهَا غَرَض الْغَرَض وَقد مر بُطْلَانه فِي الْبَحْث الثَّانِي وَسَيَأْتِي أَن مَذْهَب أهل السّنة أَن الارادة لَا تعلق بِفعل الْغَيْر وَإِنَّمَا تتَعَلَّق بِهِ الْمحبَّة وَتسَمى ارادة مجَازًا وَقد بنيت هَذَا الْكتاب على أَنا لَا نبدل الظَّوَاهِر بالنصوص أَلا ترى أَن اضلاله الَّذِي نَص على ارادته لَا يجوز أَن يُفَسر إِلَّا بِفعل أَشْيَاء من أَفعَال الله الْحَسَنَة يَقع عِنْدهَا مِنْهُم معاص قبيحة كَمَا ذكره الله تَعَالَى فِي بسط الرزق فِي آيَات كَثِيرَة وَكَذَلِكَ الحَدِيث النَّبَوِيّ لَيْسَ بِنَصّ فِيمَا ذَكرُوهُ لجَوَاز أَن المُرَاد مثل ذَلِك من أَفعَال الله الْحَسَنَة الَّتِي تكون وَسِيلَة إِلَى أفضل أَخْلَاق الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَهُوَ الْعَفو بعد الاساءة والاحسان إِلَى الْمُسِيء كَمَا أوضحته واستوعبت مَا ذكر فِيهِ فِي العواصم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَمن ذَلِك ارادة خلق الْكفَّار وبقاؤهم مَعَ كَرَاهَته لَهُم فانهما لم يتناقضا لاخْتِلَاف الْجِهَات الَّتِي تعلّقت بهَا وَمن ذَلِك أَنه حسن من المذنب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015