تَعَالَى لَا يُرِيد الشَّرّ لكَونه شرا وانه عدل حَكِيم فِيمَا أَمر وَنهى وَمَا علمنَا وَمَا جهلنا كَمَا مضى فِي مَسْأَلَة حَكِيم فَيجب أَن يبْنى الْعَام على الْخَاص فِي هَذِه الْآيَات كَمَا يَبْنِي فِي آيَات الْوَعْد والوعيد أَلا ترى أَنه قَالَ فِيهَا {يغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء} ثمَّ فسر من يعذبه بالمشركين وَنَحْوهم وَمن يغْفر لَهُ بِالْمُؤْمِنِينَ فَلم يجز بعد تَفْسِيره أَن تخلى الْمَشِيئَة مُطلقَة حَتَّى تخَاف الْعَذَاب على الانبياء وَنَرْجُو الرضْوَان لمن مَاتَ مُشْركًا وَكَذَلِكَ فِي آيَات الضلال وَالْهدى الْخَاص الزَّائِد على الْفطْرَة لما بَينهَا الله تَعَالَى وَبَين أَن هَذَا الْهدى الْخَاص مثل الثَّوَاب يخْتَص أهل الْخَيْر بالوعد الْحق وَمن شَاءَ الله من غَيرهم بمحض الرَّحْمَة وَالْفضل وان الضلال يخْتَص بِمن يسْتَحقّهُ من الأشرار وَجب أَن يحكم بِأَن الله تَعَالَى لَا يضل المهتدين وَلَا يضل أحدا إِلَّا الْفَاسِقين كَمَا دلّ عَلَيْهِ فِي كِتَابه الْمُبين وَالْعَمَل على هَذَا من قَوَاعِد عُلَمَاء الاسلام الْمَعْلُومَة
وَأما كَرَاهَة القبائح فعلى ظَاهرهَا وَأما ارادتها ومحبتها فَلم يرد بِهِ سمع مَنْصُوص جلي وَلَا قُرْآن وَلَا سنة وَلَا متواتر وَلَا آحَاد فَلَا تعَارض هُنَا أَلْبَتَّة بل جَاءَ فِي كتاب الله تَعَالَى أَن الله لَا يُرِيد ظلما للعباد وَفِي آيَة أُخْرَى للْعَالمين وَإِن كَانَ أظهر التفسيرين أَن الْمَعْنى لَا يُرِيد سُبْحَانَهُ ظلما مِنْهُ لَهُم تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَذَلِكَ مثل تمدحه جلّ جَلَاله بِأَنَّهُ لَيْسَ بظلام للعبيد وَقد أوضحت وَجهه فِي العواصم فِي الْبَحْث الْعَاشِر من هَذِه الْمَسْأَلَة لكنه يُقَال أَنه تَعَالَى إِنَّمَا نفي أَرَادَتْهُ ظلم الْعباد لفبح الظُّلم وقبح ارادته لَا لكَونه محالا فِي قدرته لِأَنَّهُ لَا معنى للتمدح بترك الْمحَال فِي الْقُدْرَة لَان الْمحَال لَا تنبغي ارادته وَصِحَّته وَبِكُل حَال فقواعد أهل السّنة تَقْتَضِي الايمان بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَقَول من يَقُول أَن الله يُرِيد الظُّلم الْوَاقِع وَسَائِر القبائح يُخَالف مفهومهما فَيتَعَيَّن تَركه احْتِيَاطًا ومحاذرة من مُخَالفَة مَفْهُوم كتاب الله تَعَالَى الَّذِي لم يعارضة مَنْطُوق صَرِيح فِي العقائد الَّتِي لَا ضَرُورَة بِنَا إِلَى النَّص فِيهَا على مَا لم ينصه الله تَعَالَى وَرَسُوله وَسَيَأْتِي أَن من ادّعى أَن الْمعاصِي مُرَاده إِنَّمَا أطلق ذَلِك مجَازًا على مَا سَيَأْتِي من نُصُوص الأشعرية عَلَيْهِ
وَالْحَاصِل فِي الْجمع وُجُوه الْوَجْه الاول دَعْوَى عدم التَّعَارُض الْمُوجب للْجمع على وَجه دَقِيق وَإِنَّمَا هُوَ من قبيل الْعَام وَالْخَاص وَهُوَ جلي لَا يُسمى متشابها لوضوحه