وَلَا خَفَاء أَن قَوْله حق القَوْل وَاضح فِي مواقفه الْحِكْمَة والا لما كَانَ بَان يحِق أكمل فِي الثَّنَاء على الله تَعَالَى من أَن لَا يحِق فَتَأمل ذَلِك يُوضحهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين} الْآيَة إِلَى سَائِر مَا تقدم فِي هَذَا

قَالَ الْغَزالِيّ وَالْيَد المتأكلة قطعهَا فِي الظَّاهِر وَفِي ضمنه الْخَيْر الجزيل وَهُوَ سَلامَة الْبدن وَلَو ترك قطعهَا لحصل هَلَاك الْبدن وَلَكِن قطعهَا لِسَلَامَةِ الْبدن شَرّ وَفِي ضمنه الْخَيْر لَكِن المُرَاد الأول السَّابِق إِلَى نظر الْقَاطِع هُوَ السَّلامَة الَّتِي هِيَ خير مَحْض وَهِي مَطْلُوبَة لذاتها ابْتِدَاء وَالْقطع مَطْلُوب لغيره ثَانِيًا لَا لذاته فهما داخلان تَحت الارادة لَكِن أَحدهمَا يُرَاد لذاته وَالْآخر يُرَاد لغيره فَالْمُرَاد لذاته قبل المُرَاد لغيره ولاجل ذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {سبقت رَحْمَتي غَضَبي} فغضبه ارادته الشَّرّ وَالشَّر بارادته وَرَحمته ارادته الْخَيْر وَالْخَيْر بارادته وَلَكِن اراد الْخَيْر للخير نَفسه وَأَرَادَ الشَّرّ لَا لذاته فالخير مُقْتَضى بِالذَّاتِ وَالشَّر مُقْتَضى بِالْعرضِ وكل بِقدر وَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا يُنَافِي الرَّحْمَة أصلا والآن ان خطر لَك نوع من الشَّرّ لَا ترى فِيهِ خيرا أَو خطر لَك انه كَانَ يُمكن حُصُول ذَلِك الْخَيْر لَا فِي ضمن ذَلِك الشَّرّ فاتهم عقلك الْقَاصِر فِي كلا الطَّرفَيْنِ

أما قَوْلك ان بعض الشَّرّ لَا خير تَحْتَهُ فان هَذَا مِمَّا تقصر الْعُقُول عَن مَعْرفَته مثل أم الصَّبِي الَّتِي ترى الْحجامَة شرا مَحْضا وَمثل الغبي الَّذِي يرى الْقَتْل قصاصا شرا مَحْضا لانه ينظر إِلَى خُصُوص شخص الْمَقْتُول وَأَن الْقَتْل فِي حَقه شَرّ مَحْض وَيذْهل عَن الْخَيْر الْعَام الْحَاصِل للنَّاس كَافَّة وَلَا يدْرِي ان التَّوَصُّل بِالشَّرِّ الْخَاص إِلَى الْخَيْر الْعَام خير مَحْض لَا يَنْبَغِي لحكيم ان يهمله فاتهم خاطرك

وَأما الثَّانِي وَهُوَ قَوْلك انه كَانَ يُمكن تَحْصِيل ذَلِك الْخَيْر لَا فِي ضمن ذَلِك الشَّرّ فان هَذَا أَيْضا دَقِيق فَلَيْسَ كل محَال وممكن مِمَّا يدْرك استحالته وامكانه بالبديهية وَلَا بِالنّظرِ الْقَرِيب بل يعرف ذَلِك بِنَظَر غامض دَقِيق يقصر عَنهُ الاكثرون فاتهم عقلك فِي هذَيْن الطَّرفَيْنِ وَلَا تشكن أصلا فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015