فَمن ذَلِك أَنه ورد فِي السّمع مَا يتَوَهَّم الْجُهَّال مِنْهُ إِن الله تَعَالَى يُرِيد الشَّرّ الْمَحْض لكَونه شرا لَا لحكمة فِيهِ وَلَا غَايَة محمودة وَهَذِه هِيَ مُعظم مَا جرأهم على ذَلِك بل لَيْسَ لَهُم كَبِير شَيْء سواهَا وَهِي شُبْهَة الْمَلَاحِدَة الَّتِي يصولون بهَا على السُّفَهَاء والضعفاء وَذَلِكَ مثل آلام الاطفال والبهائم وَعَذَاب الْآخِرَة الدَّائِم وَالْجَوَاب عَن ذَلِك يَتَّضِح بِذكر أُمُور
الامر الأول أَن الاستقباح الَّذِي يُوجد فِي الْعُقُول لذَلِك إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى من لَا يعلم تَأْوِيلهَا تَفْصِيلًا وَلَا جملَة لَكِن الله تَعَالَى قد أعلمنَا جملَة أَن لَهَا تَأْوِيلا أَو أَن لَهَا تَأْوِيلا لَا يُعلمهُ سواهُ وَهُوَ الصَّحِيح على مَا مضى تَقْرِيره فِي هَذَا الْمُخْتَصر فاذا ذَلِك الاستقباح الْمَوْجُود فِي عقول الْبشر صَحِيح بِالنّظرِ إِلَى علومهم القاصرة وعقولهم الحائرة لَكِن الراكن اليه غفل عَن كَون مَا أنكر صدر عَمَّن ثبتَتْ حكمته وَثَبت استبداده بِعلم الغيوب وَالْحكم وانه يعلم مَا لَا نعلم من الغيوب وَالْحكم وَقد أخبرنَا فِي كَلَامه الْحق أَن للمتشابه تَأْوِيلا لَا يُعلمهُ إِلَّا هُوَ وَلَو كَانَ مَا تشابه علينا حسنا فِي عقولنا لم يحْتَج إِلَى تَأْوِيل وَلَو لم تكن أَفعاله مَوْقُوفَة على الْحِكْمَة لم يرد بذلك التَّنْزِيل بل ورد السّمع بِمَا يدل على أَن الله تَعَالَى فعل ذَلِك للابتلاء كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي تَحْويل الْقبْلَة {وَمَا جعلنَا الْقبْلَة الَّتِي كنت عَلَيْهَا إِلَّا لنعلم من يتبع الرَّسُول مِمَّن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ} إِلَى قَوْله {وَإِن كَانَت لكبيرة إِلَّا على الَّذين هدى الله} وَفِي نَحْو هَذَا يَقُول عز وَجل {بل كذبُوا بِمَا لم يحيطوا بِعِلْمِهِ وَلما يَأْتهمْ تَأْوِيله كَذَلِك كذب الَّذين من قبلهم فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الظَّالِمين} فَبين سُبْحَانَهُ أَن التَّكْذِيب بِمَا لم