الْعلم بتضييع الْعلم فَلَا يُوجد فِيمَن يبْقى من يخلف من مضى وَقد أنذر عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِنَقص الْخَيْر كُله وَمَا ينْطق عَن الْهوى
وَثَانِيهمَا الِاعْتِمَاد على الْكِتَابَة فِي حفظ الْعلم فانه أدّى إِلَى كتم أهل الْعلم لكثير من مصونه فِي أول الْأَمر ثمَّ لمهمات الدّين فِي آخِره وَكَانَ الْعلم فِي أول الْأَمر يبْذل من أَهله لأَهله مشافهة وَلَو سرا وَذَلِكَ النَّقْص وَهُوَ مَحْفُوظ فِي الصُّدُور غير مبذول لأهل الشرور فِي السطور فَلَمَّا قل الْحِفْظ وَطَالَ الْأَمر وَكتب ليحفظ وتعذرت الصيانة وَخيف الْعدوان من أَعدَاء أهل الايمان كتم بَعضهم فَلم يظْهر علمه فازداد النَّقْص واتقي بَعضهم فَتكلم بالمعاريض الموهمة للباطل خوفًا على نَفسه ورمز بَعضهم فغلط عَلَيْهِ فِيمَا قَصده فِي رمزه فتفاحش الْجَهْل وَقد أوضحت كَثْرَة الْغَلَط فِيمَا أُرِيد بَيَانه كَيفَ لَا فِيمَا أُرِيد كِتْمَانه وَمَا لَا يجوز تَفْسِيره إِلَّا لمن علم من صَاحبه مُرَاده بِالنَّصِّ فَلَمَّا كثرت أَسبَاب غموض الْحق وَجب الرُّجُوع فِي أَصله الَّذِي ضمن الله حفظه حَيْثُ قَالَ {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} وان يَبْتَغِي من حَيْثُ ابتغاه خَلِيل الله عَلَيْهِ السَّلَام حَيْثُ قَالَ {إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي سيهدين} كَمَا نَص على ذَلِك معَاذ رَضِي الله عَنهُ حَيْثُ قَالَ وَأوصى بِهِ عِنْد مَوته كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ معافى المناقب وَالْحَاكِم فِي الْفِتَن من الْمُسْتَدْرك وَصَححهُ على شَرط مُسلم وَهَذَا لَفظه مُخْتَصرا عَن زيد بن عُمَيْر أَنه كَانَ عِنْد معَاذ حِين احْتضرَ فَكَانَ يغشي عَلَيْهِ ثمَّ يفِيق حَتَّى غشي عَلَيْهِ غشية ظننا انه قد قبض فِيهَا ثمَّ أَفَاق وَأَنا مُقَابِله أبكى فَقَالَ مَا يبكيك قلت أبْكِي على الْعلم والحلم الَّذِي أسمع مِنْك يذهب قَالَ فَلَا تبك فان الْعلم والايمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما فابتغه حَيْثُ ابتغاه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فانه سَأَلَ الله وَهُوَ لَا يعلم وتلا {إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي سيهدين} أه وَنَحْو ذَلِك مَا وهب الله من الْيَقِين والفوز الْعَظِيم لأهل الْكَهْف وَكَذَلِكَ السَّحَرَة الَّذين آمنُوا بمُوسَى من غير طول نظر وَقد غلل الله قبُول النَّصَارَى للحق بَان مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ترى أَعينهم تفيض من الدمع مِمَّا عرفُوا من الْحق