بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين .. سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فعندما يذهب شخص إلى الطبيب شاكيًا من علة ما، فالمتوقع أن يستمع الطبيب إلى شكواه ثم يقوم بالكشف السريري عليه، ثم يكتب له الدواء الذي يراه مناسبًا لحالته.
ولن يفوت الطبيب تذكير مريضه بطريقة أخذ الدواء؛ فهذا قبل الأكل وهذا بعده، وذاك قبل النوم .. ثم ينصحه بالانتظام في تناوله، وفي النهاية يطلب منه مراجعته بعد عدة أيام.
ومن المتوقع أن أول سؤال سيسأله الطبيب لمريضه عند المقابلة الثانية سيكون عن مدى تحسن حالته الصحية، فإن وجد تحسنًا ملحوظًا فسيطلب منه الاستمرار على أخذ الأدوية ـ كلها أو بعضها ـ مدة زمنية أخرى حتى يتم له الشفاء ـ بإذن الله ـ وإن لم يلحظ هذا التحسن فسيتوجه إلى مريضه بالسؤال عن مدى جديته في تناول الدواء بالطريقة الصحيحة، فإن وجد منه التزامًا في هذا الأمر فسيتجه تفكيره نحو تغيير جرعات الدواء، أو استبداله بآخر، وكيف لا وهو يعلم بأن هدف مجيء المريض إليه هو بحثه عن الشفاء بإذن الله، ويعلم كذلك أن الأدوية ما هي إلا وسائل لتحقيق هذا الهدف.
إن العلاقة بين الأدوية والعافية تمثل العلاقة بين الوسائل والأهداف، فالوسائل ليست مطلوبة لذاتها بل لتتحقق الأهداف من خلالها.
و من العجيب أن هذا التصور لتلك العلاقة نمارسه بصورة تلقائية، وفي أمور كثيرة فيما يخص أمور دنيانا أما أمور ديننا فالأمر يختلف، بمعنى أن الأهداف في كثير من الأحوال تُنسى، وذلك حين تتحول الوسائل إلى أهداف وغايات.
حياة القلب بالإيمان هي الهدف:
لقد خلقنا الله عز وجل، وأسكننا الأرض لنقوم بمهمة عظيمة، ألا وهي ممارسة العبودية له سبحانه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
هذه العبودية لها حقيقة ينبغي أن يعيش المرء في أجوائها، وأن تظهر آثارها على سلوكه وتعاملاته ..
فالعبودية لله عز وجل معناها الانكسار والاستسلام التام له سبحانه، وطاعة أوامره، ودوام خشيته، والشعور بالاحتياج المطلق والافتقار التام إليه، ومن ثمَّ دوام سؤاله، والتمسكن بين يديه، والتوكل عليه، وإخلاص التوجه له، مع حبه وإيثار محابه ومراضيه على كل شيء ... لينعكس ذلك على السلوك فيصبح همُّ المرء فعل كل ما يرضي مولاه ويستجلب به رحمته وفضله وجزاءه الذي وعد به عباده المتقين فيزداد سعيه لكل ما يقربه من الجنة ويبعده عن النار.
فالعبودية الحقيقية تعني غلبة الإيمان بالله على قلب المرء ومشاعره، فيصير حبه سبحانه أحب الأشياء لديه، وخشيته أخوف الأشياء عنده.