وإن كان شهر رمضان له أفضلية خاصة عن بقية الشهور فإن ليلة القدر لها شرف عظيم، يقول صلى الله عليه وسلم «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه» (?) والتماس ليلة القدر إنما يكون في العشر الأواخر من رمضان، لذلك يستحب الاجتهاد فيها فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله.
ومن هذه المواسم أيضا: موسم العمرة فهي في رمضان تعدل حجه، فلنحرص علي القيام بها ..
وليعمل كل منا على أن ينظم أموره بالطريقة التي تعينه على الاستفادة من هذه الأوقات الفاضلة، فإن فاته وقت منها لم يترك الاجتهاد في البقية الأخرى.
- سادساً: الاعتكاف
الاعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله، وهو مستحب في كل وقت في رمضان وغيره وأفضله في العشر الأواخر من رمضان ليتعرض العبد فيها لليلة القدر والتي هي خير من ألف شهر. ولقد ذهب الإمام أحمد أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس حتى ولا لتعليم علم وإقراء قرآن، بل الأفضل له الانفراد بنفسه والتخلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه. وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية التي لا يترك معها الجمع والجماعات، فعلينا أن نغتنم أي وقت - مهما قصر - في نهار رمضان أو ليله ننوى فيه الاعتكاف ونختلي فيه بالله عز وجل ..
ولنحرص على الاعتكاف في العشر الأواخر فإن لم نستطع فليكن ذلك في لياليها وبخاصة الوتر منها، ولنحظر من الخلطة والكلام وكل ما يقطع علينا خلوتنا بالله عز وجل.
يقول ابن رجب: «فحقيقة الاعتكاف قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق».
وللأخت المسلمة أن تعتكف في مسجد بيتها استناداً على رأى الأحناف في جواز ذلك ولتقتطع من يومها وقتاً تلازم فيه مسجدها وتقبل فيه على الله عز وجل.
- سابعا: الدعاء
الدعاء هو العبادة، ولا يرد القدر سواه، ففيه يتمثل فقر العبد وذله وانكساره إلى من بيده ملكوت كل شيء .. وهناك أوقات مخصوصة يفضل فيها الدعاء منها: بين الأذان والإقامة، ودبر الصلوات، وفي الثلث الأخير من الليل، ويوم الجمعة منذ أن يصعد الإمام المنبر حتى تنتهي الصلاة وكذلك في الساعة الأخيرة من هذا اليوم، وفي ليله القدر .. وعند نزول المطر .. وللصائم دعوة مستجابة، وكذلك المسافر .. وفي كل ليلة من رمضان عتقاء من النار وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فعلينا اغتنام تلك الأوقات نتذلل فيها لله ونتبرأ من حولنا وقوتنا .. نستعطفه ونتملقه ونسترضيه ونسأله من خيري الدنيا والآخرة، ولنحذر من الدعاء باللسان دون حضور القلب. قال صلى الله عليه وسلم «واعلموا أن الله لا يستجيب الدعاء من قلب غافل لاه» (?).
ولنكثر من الدعاء لإخواننا المسلمين المضطهدين في كل مكان ولنخص المرابطين في فلسطين بحظ وافر من الدعاء .. ولندع كذلك علي الطغاة الظالمين الذين يحادون الله ورسوله في كل مكان عساه - سبحانه - أن يفرج الكرب ويكشف الغمة وينزل نصره الذي وعد، قال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم: 47).
- ثامنا: الصدقة
إن المتأمل لكتاب الله عز وجل يجد الكثير من الآيات التي تحث المسلم على الإنفاق في سبيل الله، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان يقول تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (التوبة: 103) فالمستفيد الأول من الصدقة هو صاحبها لأنها تخلصه من الشح وتطهره من الذنوب.