- رابعًا: قيام الليل
قيام الليل من الوسائل المهمة في إحياء القلب .. يقول صلى الله عليه وسلم:
«عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم وتكفير للسيئات ومطردة للداء عن الجسد» (?).
إن التعرض لنفحات الليل واقتسام الغنيمة مع المجتهدين لمن أعظم وسائل غرس الإيمان في القلب ...
لقد افترض الله قيام الليل على رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام قبل أن تنزل الفرائض، وقبل أن تشرع الحدود، بل قبل أن تفرض الصلوات الخمس، لأن الإنسان إذا خلا بربه واتصل قلبه به في جنح الليل طهر القلب ونزلت عليه الفيوضات.
إن هذه الوسيلة العظيمة التي تجمع بين تدبر القرآن وما فيه من كنوز وبين الركوع والسجود، وما فيها من معاني الذل والخضوع والانكسار للمولى سبحانه وتعالى لمن أهم وسائل التقرب إلى الله عز وجل. فلا ينبغي أن تفوتنا ليلة دون قيام مهما كانت الظروف، والأفضل بجانب أدائنا لصلاة التراويح أن نستيقظ قبل طلوع الفجر بوقت كاف للتهجد والاستغفار، لعلنا نتذوق طعم الحياة الحقيقية باستنشاق نسيم الأسحار ونحن نناجى الرحمن.
قال بعض الصالحين: ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة.
وقال إقبال: كن مع من شئت في العلم والحكمة، ولكنك لا ترجع بطائل حتى تكون لك أنَّة في السحر .. إنه - رحمة الله - يريد أن يقول:
كن داعياً ناجحاً .. كن خطيباً مفوهاً .. كن محاضراً فذاً، كن كما تريد ولكنك لن تفيد نفسك إلا إذا كانت لك وقفة مع الله في السحر تخلع فيها ثياب الشهرة والعزة، وتنزع فيها الألقاب الزائفة وتعيش حال العبد الخائف من غضب مولاه الطامع في رحمته.
فجهز مطالبك، وحدد أهدافك وكن خفيف النوم تنتظر دقات الساعة للخلوة بالحبيب ....
من فقه قيام الليل:
عندما يمن الله علينا بالاستيقاظ قبل الفجر بوقت كاف، علينا ألا نطيل القيام والقراءة فقط بل نطيل الركوع والسجود أيضا.
فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد .. ففي السجود يتم إخراج معاني الذل والانكسار وإظهار الفقر والمسكنة لمن بيده ملكوت السماوات والأرض.
فمناجاة الله في السجود لمن أعظم صور الفرار إليه سبحانه واسترضائه، وطلب العفو والصفح منه وإظهار الذل والخضوع له .. وفيه يقدم العبد طلباته ويرفع حاجاته.
إذا أردنا أن تحقق السجدة هدفها، فنقترب من خلالها إلي الله شيئاً فشيئاً كما قال سبحانه وتعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (العلق: 19) علينا أن نجعلها سجدة حارة تنسكب فيها الدموع لتكون مداد رسائلنا إلى مولانا.
قال عبد الله بن المبارك:
إذا ما الليل أظلم كابدوه ... فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا ... وأهل الأمن في الدنيا هجوع
لهم تحت الظلام وهم سجود ... أنين منه تنفرج الضلوع
ماذا نفعل لو حرمنا القيام؟!
قد نأخذ بجميع الأسباب المعينة على الاستيقاظ للتهجد ثم نفاجأ بأذان الفجر، فماذا نفعل؟!
إنها رسالة من الله عز وجل تحمل لنا معاني كثيرة: منها أن هذا الحرمان قد يكون بسبب ذنب أذنبناه أو تقصير في حق من الحقوق .. ومنها أن الرغبة في القيام لم تكن أكيدة .. ومنها أنها قد تكون ابتلاء من الله لينظر ماذا سنفعل ..
فإذا حدث ذلك فعلينا بالفرار إلى الله في الصلاة والدعاء نسترضيه ونستغفره ونتملقه عساه يعفو عنا .. وعلينا أيضا بصدقة السر فإنها تطفئ غضب الرب.