أيتها النفس التقية النقية، لمَ آثرت الحياة الدنيا على الآخرة الباقية، ألم تعلمي أنها دار فانية، مليئة بالأكدار والأعمال القاسية، فهلا تزودت ليوم كان مقداره ألف سنة يوم تضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، اعلمي أن زهدك في الدنيا وإقبالك على الآخرة قد يبلغك الأماني المتناهية بأن تحظى بحب الله تعالى وحب الناس من كل ناحية؛ قال - صلى الله عليه وسلم - ((إزهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس)) صحيح الجامع1/ 922. كما أن من ثمرات الزهد أن يجمع الله لك فضائل عظيمة؛ قال - صلى الله عليه وسلم - ((من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له)) صحيح الجامع2/ 26510. واعلمي أيتها النفس أن الله تعالى خلقك ليختبرك ما أنت صانعة في هذه الحياة الدنية، قال - صلى الله عليه وسلم - ((إن الدنيا حلوه خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء)) رواه مسلم: 2742. فأري ربك منك أقوالا وفعالا رضيه، لتفوزي بالفردوس والمقامات العلية.
أيتها النفس الزكية اعلمي أنك مسؤولة وواقفة بين يدي رب البشرية فاشغلي أوقاتك بالأعمال الصالحة والمفيدة لتحظي برضى رب البرية فإنك إن لم تشغليها بخير شغلتك هي بالشر، قال - صلى الله عليه وسلم - ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) صحيح الجامع2/ 6778. فأعمارنا ساعات ولحظات منتهية وبعدها سنسأل عن كل دقيقة وثانية وعن كل ما قدمناه في هذه الحياة الدنيّة قال - صلى الله عليه وسلم - ((لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم)) صحيح الجامع2/ 7299.
إذا كنت أعلم يقينا أن عمري كساعة ** فلم لا أكون ضنينا بها وأجعلها في إصلاح وطاعة.
أيتها النفس الأبية، صاحبة الهمة العلية، لم تركت الدعوة إلى الله وانشغلت بالأعمال الدنيوية ألم تعلمي أنها أشرف الأعمال ومهمة الأنبياء والمرسلين وقائد البشرية وهي الغاية الكبرى لنشر الإسلام وإنقاذ الناس من ظلمة الجاهلية وفيها اقتداء بصاحب الرسالة المحمدية وكسب لكنوز الحسنات الغير منتهية، فاصدعي بالحق بين الناس، ولا تخشي الأقوال والأفعال الردية، واعلمي أن أفضل ما يدعى به هو القرآن والسنة النبوية.
بقلبي الدين مأسور وأعمالي تترجمه ... فلا خيرا بإيمان إذا ما عشت تكتمه
فما في القلب لي وحدي وليس سواي يعلمه ... فإن أظهرته عملا فإن الناس تفهمه
فيا رباه ألهمني بحقك ما أقدمه ... وانفع أمتي نفعا بحسن الركب تختمه
أيتها النفس المغرورة ذات الأعمال الكثيرة، لم تغترين بعملك وتظنين أنك بلغت القمة المطلوبة، إحذري الغرور فربما تكون أعمالك من الأعمال المثبورة عند نشر الصحف والكتب المنثورة، عندها لا ينجو أحد بعمله، قال - صلى الله عليه وسلم - ((لو أن رجلا يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرما في مرضات الله تعالى لحقره يوم القيامة)) صحيح الجامع2/ 5249. وقال - صلى الله عليه وسلم - ((لا يدخل أحد منكم عمله الجنة ولا يجير من النار، ولا أنا إلا برحمة الله)) صحيح الجامع2/ 7667. فحقري عملك مهما كان لتكوني دائما فرحة مسرورة.
أيتها النفس القوية المخدوعة بالعطية، كيف حاربتي خالق الكون صاحب القوة المتناهية الأبدية، أعندك جنود أقوى من جنود رب البشرية الذي قال تعالى في كتابه {وما يعلم جنود ربك إلا