للعلم -خاصة مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد باع بيته وفرغ نفسه لرواية سيرة النبي، من رائدها الأول؛ محمد بن إسحاق، وقد توفي البكائي -رحمه الله تعالى سنة 183هـ- بعد أن أدى الكتاب إلى من أوصله إلينا، والذي من حقه علينا كذلك أن نخصه بكلمة تقدير وتحية، وهو أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب المعافري البصري المصري؛ فقد ولد ابن هشام في مدينة البصرة بالعراق، وفيها نشأ ودرج، وتتلمذ على علمائها ونهل من علمهم، وبعد أن تزود من علم علماء العراق، وتوج ذلك برواية السيرة عن أستاذه زياد بن عبد الله البكائي الذي أملاها عليه بنفسه؛ بعد ذلك رحل إلى مصر، التي كانت الحركة العلمية فيها آنذاك في أوج ازدهارها، بجهد علمائها، ومن وفد إليهم من علماء الأقطار الأخرى، وعندما وصل ابن هشام إلى مصر كانت سماؤها قد ازدانت بنجم ثاقب من نجوم العلم والفقه؛ وهو عالم قريش، الذي ملأ طباق الأرض علمًا: محمد بن إدريس الشافعي، الذي التقى به عبد الملك بن هشام، وتدارس معه العلم والأشعار، فقد كان كلاهما شاعرًا، فوق تبحرهما في العلوم الأخرى.
وقد قضى ابن هشام في مصر بقية حياته، وقد أثرى -رحمه الله تعالى- المدرسة المصرية في علوم كثيرة؛ مثل: النحو واللغة وعلم الأنساب، ناهيك عن درته الخالدة، سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك