لا ينقطع رجال التربية والفكر فوق المنابر، وفي المحافل لحظة واحدة عن الحديث عن السلام في الإسلام، والتعاون الإسلامي لحل المشكلات. ولكن رجال السياسة والحرب لا يتوقفون لحظة واحدة أيضا عن التآخر والفتنة والكيد، والإعداد لهزيمة بعضهم بعضا، وإذلال بعضهم بعضا، واقتراف ما يترتب على ذلك من تشريد، وقتل وتبديد للمقدرات البشرية والمادية. ويكاد العالم العربي، ومن ورائه العالم الإسلامي يموجان بالصراعات والفتن، وهما يمتلآن بضحايا هذه الصراعات من المشردين واللاجئين، والمنفيين والمبعدين السياسيين1.
واستمرار هذا التناقض من شأنه أن ينتهي بالإنسان المسلم عامة إلى الكفر بالسلام والتعاون والأخوة، ثم الانقضاض على جميع هذه المفاهيم، والشعارات بكل ما يجلبه هذا الانقضاض من آثار مدمرة للعالم الإسلامي كله.
إن الصراع غريزة في الإنسان لا سبيل إلى تجاهلها. ولكن الخطأ في التوجيه الذي يوجه هذا الصراع، والمقاصد التي تحدد ميادينه. فالغضب والانفعال -أو الانتصار حسب لغة القرآن- غريزة وضعها الله في الإنسان لدفع الظلم ومقارعة الشر الذي يمتحن به الإنسان من آن لآخر، وتترك له خيارات ثلاثة: فإما أن يستسلم للظلم والشر، وإما أن يناصر الظلم والشر، وإما أن يتناول الخير ليقارع به الشر. هذه هي -فلسفة الصراع- التي تناولناها بالتفصيل في كتاب -فلسفة التربية الإسلامية.