ونظرا لأهمية الهجرة في توفير المنعة، وإطلاق القدرات وتوفير الإنجازات أدان الله سبحانه المتقاعسين عن الهجرة، وتوعدهم بالعذاب. من ذلك قوله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 97] .

ويروي المفسرون عن عبد الله بن عباس أن ناسا من المسلمين لم يهاجروا فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت الآية1.

ولقد استمرت الهجرة عاملا أساسيا في قوة حركات الإصلاح التي نجحت في إخراج العالم الإسلامي من ضعفه -في فترات متقطعة، وفي أماكن مختلفة- مثل الحركة التي أخرجت جيل صلاح الدين في المشرق، والحركة التي أخرجت جيل المرابطين في المغرب. فقد هجرت الأولى "فقه" السلاطين، و"ثقافة" النفاق اللذين ضربا مجتمع الخلافة في بغداد ثم انسحبت إلى المهجر الذي نما، وامتد حتى شمل المنطقة الواقعة ما بين الموصل وشمال سوريا في الشمال، وبين مصر والحجاز في الجنوب. كذلك اتخذت الثانية لها مهجرا في غرب أفريقيا، ثم خرجت قوة ردت العافية للمغرب والأندلس لقرون2.

والأهمية الثانية، هي إن الهجرة -بمعناها النفسي والحسي- تنسجم مع حقيقة من الحقائق الكبرى التي يطرحها الإسلام عن الوجود. وهذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015