ولو نظرنا في أحداث التاريخ -الذي هو بعض مظاهر آيات الله في الأنفس -لوجدنا براهين بينة ناصعة لهذا التقرير الذي ساقته الآية عن نتائج إخراج "أمة المؤمنين" أو هيمنة "أمة الكافرين". فحين أخرجت "الأمة المسلمة"، وأحكمت روابط "الولاية" فيها كانت نتيجة ذلك هزيمة "أمم الكفر" التي مثلتها آنذاك أمثال فارس والروم. أما حين انحسرت التربية الإسلامية لتقتصر على إعداد "الأفراد المسلمين" الذي يعتزلون الدنيا، وينتظرون الرحيل إلى العدل الأخروي، فقد نسي المسلمون أنفسهم -مفهوم الأمة المسلمة- واختفت مكوناتها من مناهج التربية وأنشطتها، وتفككت الأمة المسلمة القائمة، واحتلت مكانها أمم غير مؤمنة تسلمت القيادة العالمية، وملأت الأرض بالفتنة والفساد الكبير، وصار المسلم يشد الرحال إلى "أمم الكفر" ليتعلم في مؤسساتها كيفية إخراج الأمم، وبناء المجتمعات على النمط الذي تحدده له هذه المؤسسات، وأهدافها في التبيعية والاستعمار، وإشاعة الفتنة والفساد الكبير.
والأهمية الثانية، لقيام "أمة المؤمنين" هي ما توجه إليه الآية الثالثة -آية 74 من السورة- حول الفوائد والمنافع التي تترتب على إخراج "الأمة المسلمة"، وهي ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى، تجسيد الإيمان في "جنسية" مميزة و"هوية" خاصة، وفي حضارة إسلامية لها ثقافاتها ونظمها الاجتماعية، وتطبيقاتها في ميادين السلوك والقيم والعادات، والتقاليد الممتدة عبر الزمان والمكان. ولذلك وصفت الآية بأن أفراد "الأمة المسلمة" المجاهدين المتآوين المتناصرين في مهجر واحد "هم المؤمنون حقًّا". أما الأقليات الإسلامية المبعثرة هنا، وهناك فهذه لا تدخل في وصف "المؤمنون حقا"؛ لأنها لا تتمكن من أن تعيش إيمانها في "جنسية متميزة" وتطبيقات اجتماعية لها ثقافتها، ولغتها ونظمها الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، ولها قيمها وعاداتها وتقاليدها وأخلاقها. وبالتالي لا تفرز حضارة متميزة تنحدر عبر التاريخ، وتشد إليها الرحال ليتعلم الناس في مؤسساتها التربوية، والإدارية كيفية الحفاظ على النوع البشري ورقيه. وإنما تذهب جهود هذه الأقليات هدرا في روافد "أمة غير مسلمة"