ولو نظرنا في كل من الاتجاهات الثلاثة التي مرت لوجدنا أن جوهر الخلاف حول تحديد الأهداف يتركز في أمور ثلاثة هي:

الأول، إن الصعوبة الشديدة في الاتفاق على أهداف عامة للتربية سببها عدم الاتفاق على -فلسفة تربوية- محددة تنبثق منها أهداف محددة كذلك. فإذا لم تحدد فلسفة التربية لا يمكن استنباط الأهداف. وفلسفة التربية تحتاج أن تنبثق من فلفسة كلية للحياة، والإنسان، والكون، والمنشأ، والمصير. وهنا تكمن أزمة التربية الحديثة التي ناقشنا بعض مظاهرها في الكتاب الأول من هذه السلسلة -كتاب فلسفة التربية الإسلامية.

والأمر الثاني، إن الذين يرون عدم الاشتغال بتحديد أهداف التربية هم أناس سئموا الخلاف المزمن حول هذا الموضوع وسئموا من عقم البحث فيه. والذين يصرون على استمرار البحث فيه هم أناس ترعبهم نتائج العملية التربوية في ميادين الحياة الاجتماعية، والعلاقات الإنسانية، وما يرونه من إخراج التربية الحديثة لنماذج إنسانية آلية لا أهداف عليا لها في الحياة إلا الإنتاج والاستهلاك، أو نماذج إنسانية منقسمة على أنفسها، أو مغتربة من الحياة كلها.

والأمر الثالث، إن الذين يدعون إلى الاكتفاء بتحديد أهداف سلوكية عملية مشتقة بشكل مباشر عن موضوعات التعليم -كأن تكون هناك أهداف للحساب، وأخرى للجبر، وأخرى للجغرافية وهكذا- هم أناس سئموا عدم التوصل إلى تحقيق الانسجام بين الأهداف التربوية العامة، والأهداف التعليمية الخاصة. والذين يصرون على عدم الاكتفاء بالأهداف التعليمية الخاصة "السلوكية" هم أناس يضيقون بهذا النوع من الأهداف، التي تحصر الإنسان في اتقان مهارات العمل، والإنتاج ولا تتسع للقيم العليا، والتطلعات الإنسانية الرفيعة.

فالمشكلة إذن هي كيفية صياغة كل من الأهداف التربوية العامة، والأهداف العليمية السلوكية بطريقة تحقق التوافق المنطقي بينهما لتشكل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015