مرت مشكلة "المثل الأعلى" في التربية الحديثة بفترات مضطربة انتهت به إلى التمحور حول "إشباع رغبات الفرد" أي المستوى الثالث: مستوى تلبية حاجات الجسد البشري. ولقد مرت هذه المشكلة في مراحل تاريخية تنزلت بمستويات المثل الأعلى حتى حصرته في المستوى المشار إليه.
ففي المرحلة الأولى كانت التربية الحديثة تستمد نموذج المثل الأعلى من المصادر المسيحية، الذي كان يفترض به أنه يمثل المستوى الأول، مستوى الارتقاء بالنوع الإنساني. ولكن التطبيقات الاجتماعية لهذا النموذج شاهدت صدامات خطيرة مع الطبيعة الإنسانية ووقائع الحياة، كذلك اصطدم هذا النموذج بحقائق العلم الذي جاءت بها النهضة الحديثة، وكانت حصيلة هذا الصدام هي تمرد الإنسان الغربي على المثل الأعلى المذكور، ثم التوجه إلى المصادر الفلسفية خاصة خلال القرن الماضي، ومطلع القرن الحالي. وهذا التوجه حدد المرحلة الثانية للتصورات التي مرت بها مشكلة المثل الأعلى في التربية الحديثة.
ففي المرحلة الثانية تبنت التربية المثل الأعلى الذي أفرزته تأملات الفلاسفة بالقدر الذي وصلت إليه قدراتهم العقلية، وحددته خبراتهم الشبرية في البيئات التي سمحت لهم مهاراتهم اللغوية، والفكرية وتفاعلاتهم الثقافية والاجتماعية. وكانت حصيلة هذه المرحلة هي النزول بالمثل الأعلى من المستوى الأول -مستوى الرقي بالنوع الإنساني- إلى المستوى الثاني: مستوى المحافظة على النوع البشري، بل إن هذه الفلسفات استهدفت المحافظ على نوع معين من الأجناس البشرية، وهو -الجنس الأبيض- باعتباره هو الممثل الحقيقي للإنسان. ونتيجة النوع من -المثل الأعلى