بعيدا عن منافعها العملية في الميادين المهنية، وما زال عدد كبير من المربين والأساتذة يؤمنون بهذا الرأي ويدعون إليه.
والواقع أن "المعرفة من أجل المعرفة" كان هدفًا مقدسًا منذ أيام أرسطو واستمر بمجيء المسيحية التي أضفت على هذا الهداف طابعا دينيا، ثم استمر على يد أمثال الفيلسوف هيجل والمدرسة المثالية. ثم جاء -جون ديوي- الذي نشأ في بيئة دينية وبدأ من أنصار الفلسفة المثالية، ولكن اضطراب عقيدته الدينية -بسبب التناقض والانشقاق بين المسيحية، والعلم خاصة بعد ظهور الدارونية- أي به إلى التخلي على عقائده الدينية، وعن الفلسفة المثالية ثم تبني فلسفة نفعية "براجماتية" تركز اهتمامها في الوجود المحسوس، والتمتع بخيراته المحسوسة.
وكان لهذا التطور العقائدي أثره في الفكر التربوي عند ديوي، فأفرغ قوالب الفلسفة المثالية، والعقائد المسيحية من محتوياتها ثم ملأها بمحتويات مشتقة من عقائده الجديدة. فهو -أولًا- أبقى على اقتران الفلسفة بأهداف التربية -كما فعل المثاليون. كذلك أبقى على الهداف التربوي الذي تتبناه الفلسفة المثالية وتتمحور نشاطاتها التربوية حوله وهو تحقيق الذات -realisation Self والذي يعني استمرار رقي الضمير الإنساني. ولكن ديوي غير اسم هذا الهدف وأطلق عليه مصطلح -النمو Growth- وجعل محتواه استمرار نمو عقل الفرد بدون انقطاع، بل إن التربية -عند ديوي- صارت تعني النمو، وإن هذا النمو هو هدف في حد ذاته. ثم فسر هذا النمو تفسيرًا يتفق مع الدارونية التي تأثر بها تأثرا شديدًا واستمد منها مفهوم -التطور- وعزز بها مفاهيم النمو التي لونت كتاباته التربوية المختلفة، كذلك كانت التربية -عند المثالية والمسيحية- تعني الترقي العقلي لمعرفة الإله، فبتر ديوي هذا الترقي العقلي عن معرفة الإله، وجعله وحده هدفا في حد ذاته. كذلك طور -ديوي- مفهوم المثالية عن الذكاء، وجعله مفهوم -حل