له: هل لك أن تُقبّل رأسي وأُخلِّي عنك؟ فقال له عبد الله: وعن جميع أسارى المسلمين؟ قال: نعم، فقبّل رأسه، فخلّى عنهم، وقدم بالأسارى على عمر، فأخبره خبره. فقال عمر: حقٌّ على كلِّ مسلم أن يُقبِّل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأُ. فقبَّل رأسه (?).
هذا موقف عظيم حكيم؛ فإن عبد الله - رضي الله عنه - ثبت على دينه، ولم يقبل سواه، ولو أُعطي ملك كسرى ومثله معه، وملك العرب جميعاً، ثم لصدقه مع الله لم يجزع من الرّماة عندما رموه وهو مصلوب، ولم يجزع من القِدْرِ والماء المغليّ وقد رأى من يُلقى في النار من الأسرى وعظامه تلوح، ومع ذلك تمنَّى أن يكون له عدد شعره من الأنفس تعذب في الله ومن أجل الله، وعندما رأى أن المصلحة عامة لجميع الأسرى قبَّل رأس الطاغية؛ لكي يخرج المسلمين من الأسر، وهذا من أعظم الحكم العظيمة. فرضي الله عن عبد الله بن حُذافة وأرضاه.
ومن هذه المواقف العظيمة التي تدل على قوة الإيمان والرغبة فيما عند الله والدار الآخرة، ما فعله الصحابي الجليل: خبيب بن عدي بن عامر - رضي الله عنه - عندما أسرته كفار قريش وعذبته فثبت حتى قُتِلَ شهيداً - رضي الله عنه -.
قالت بعض بنات الحارث بن عامر: والله ما رأيت أسيراً قطُّ خيراً من خبيب والله لقد وجدته يوماً يأكل قِطفاً من عنبٍ في يده وإنه لمُوثَقٌ بالحديد وما بمكة من ثمرة. وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيباً. فلما