والذي يظهرُ أنَّه لا حاجةَ إلى ربطِ الآيتينِ ببعضهما، حتَّى تطلبَ لهما مناسبةُ هذه الزيادةِ التي اختصَّ بها موسى عليه السلام، ولقد كنت غير مقتنعٍ بهذا الجوابِ، وظهرَ لي أنَّ تخصيصَ ذكرِ موسى بالاستواءِ؛ أنَّ خِلقَةَ موسى كانتْ على ذلك من قوَّةِ البنيةِ، وشدة الصرعة التي كان يحتاجُها في رسالتِه، ولقد ظهرَ أثرُها في الآيات التي بعدها، وهي في قصةِ الفرعونيِّ الذي وكزه موسى عليه السلام، فقضى عليه، وكأنَّ في ذِكْرِ «استوى» تمهيدًا لما في هذه القصَّةِ، وفيها تنبيهٌ على احتياجِ موسى عليه السلام لقوة خِلقَتِه وبِنْيَتِهِ في رسالتِه، كما هو ظاهرٌ من حياتِه عليه السلام، بخلافِ ما كان من يوسفَ عليه السلام الذي كان يحتاجُ إلى العلم والحكم لتدبير شؤون الناس في معاشهم، واللهُ أعلمُ.
ولا تخلو هذه الكتبُ من المُلَحِ والطَّرائفِ في توجيه بعض المواطن المتشابِهة، ومن ذلك ما وردَ في قوله تعالى: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ} [الأنبياء: 70]، وقوله تعالى: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمْ الأَسْفَلِينَ} [الصافات: 98]. حيثُ اختلفت الفاصلتانِ مع أنهما واردتان في قصَّةِ تكسيرِ إبراهيمَ لأصنامِ قومِه، ومناظرتِه لهم في شأنِها.
ومما وُجِّهَ به هذا الاختلافُ: أنَّه في سورة الأنبياء ذكر المكايدة بينه وبين قومه، فقال لهم: {وَتاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء: 57]، وهم أرادُوا به كيدًا، فانتهى كيدُه إلى النَّجاحِ، حيث كسرَ أصنامَهم، ونجا من نارِهم، وانتهى كيدُهم إلى الخسارةِ، حيثُ