ومما يحسنُ لفتُ النَّظرِ إليه: أنَّ مفسِّري السَّلفِ قد سبقوا اللُّغويِّينَ في بيان غريبِ القرآنِ الكريمِ، وهم العُمْدَةُ في هذا البابِ.
وأنَّ ابن قُتَيبَةَ (ت: 276) كانَ من أكثرِ اللُّغويِّين الذين اهتموا بنقلِ مأثورِ السَّلفِ، وإن لم يكنْ يصرِّح بالمنقول عنه.
وأنَّ علم غريبِ القرآنِ من أوَّلِ علومِ التَّفسيرِ التي يجبُ أن يتعلَّمه طالبُ علمِ التَّفسيرِ.
كما أنَّه يجبُ عليه مراعاةُ الاختلافِ الكائنِ بسببِ تعدُّدِ دلالةِ المفردةِ في اللُّغةِ، والنَّظر في احتمالِ النَّصِّ لها من عدمِه على حسبِ المقامِ في ترجيحِ أحدِ المحتملاتِ اللُّغويَّةِ.
وأيضًا يجبُ عليه مراعاةُ اختلافِ القراءات في المفردات، ومن ذلك الاختلافُ في قوله تعالى: {لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} [النحل: 62]، فقد وردَ في لفظِ «مفرطون» قراءات:
الأولى: مُفْرَطُونَ، بفتح الرَّاء على المفعوليَّة، والمعنى: أنَّهم منسيون متروكونَ مهملون، أو معجَّلونَ إلى النَّارِ.
الثانية: مُفْرِطُون، بكسر الرَّاء على الفاعليَّةِ، والمعنى: أنَّهم متجاوزون الحدَّ ومسرفون على أنفسِهم بارتكابِ المعاصي.
الثالثةُ: مُفرِّطونَ، بكسرِ الرَّاءِ وتشديدِها على الفاعليَّةِ، والمعنى: أنَّهم مقصِّرونَ فيما يجبُ عليهم من الطَّاعةِ (?).