ومن الملاحظِ أنَّ علمَ التَّفسيرِ كانَ علمًا قائمًا، له شيوخُه وحلقاته العلميَّةُ وصُحفُه المكتوبةُ ورواياتُه المشهورةُ، وكانوا يُطلِقون عليه «علمَ التَّفسيرِ»، ومع ذلك تجدُ أنَّ اللُّغويِّينَ لما شاركوا في هذا العلمِ أثَّرَ فيهم التَّخصُّصُ في تسمياتِ كتبهم، وفي مناهجِ بحثِهم، ولو فتَّشتَ في لغويِّي القرن الثاني الذين كان تدوينُ اللُّغةِ على أيديهم، فإنك لا تجدُ من سمَّى منهم كتابَه «تفسير القرآن»، بل جُلُّها باسم «معاني القرآنِ» أو «غريبِ القرآنِ».
كما تجدُ أن اللُّغويِّينِ يُطلِقونَ على من شاركَ من السَّلفِ في التَّفسيرِ مصطلح «المفسِّرين»، أو «أهل التَّفسير»، مما يُشعرُ باختلافِهم عن منهجِ هؤلاء المفسِّرينَ، كما يُشعر بأن علم المعاني مما لا يؤخذ من طريق المفسِّرين الذين يؤخذُ منهم ما يتعلقُ بالنَّقلِ.
* يلاحظُ أن بعضَ كتبِ معاني القرآنِ تضمُّ إليها علمَ إعرابِ القرآنِ؛ لذا، فإنها من مراجِعِ كتبِ الإعرابِ القرآنيُّ.
ولقد كان لهذا الدَّمجِ بين العلمينِ في مؤلَّفٍ واحدٍ أثرٌ في غلبةِ أحدِهما على الآخرِ، وهو علمُ الإعرابِ، الذي طغتْ مباحثُه على كتبِ معاني القرآنِ؛ للفرَّاء (ت: 207)، والأخفش (ت: 215)، والزَّجَّاج (ت: 311)، حتى صارتْ مواضعُ كثيرةٌ من كتبهم موطنًا للتَّطبيقاتِ النَّحويَّةِ الخلافيَّةِ بين مدارسِ النَّحو = أكثرَ من كونها في بيانِ القرآنِ وتفسيرِه الذي هو المقصدُ الأولُ.
وقد كانَ من أثرِ طغيانِ المباحثِ النَّحويةِ على هذه الكتب أنِ ابتعدتْ في كثيرٍ من مباحثِها عن مفهومِ «المعاني»، وكانَ من أكثرهم بُعْدًا عنه الأخفشُ (ت: 215)، إذ كان جُلُّ كتابِه في علم النَّحْوِ (?).