وقد كان من منهجِ إمام المفسِّرينَ الطَّبريِّ (ت: 310) الذي تميَّزَ به: أن يقفَ عند مبهماتِ القرآنِ، ويبيِّنَ أنَّهُ عِلْمٌ إذا عُلِمَ لم ينفع العالم به علمه، وإن جَهله جاهل لم يضره جهله به، ومن ذلك تعليقُه على نوعِ الشَّجرةِ التي أكل منها آدمُ عليه السلام، قال: «والقول في ذلك عندنا: أن الله جل ثناؤه أخبر عباده أن آدم وزوجه أكلا من الشجرة التي نهاهما ربهما عن الأكل منها، فأتيا الخطيئة التي نهاهما عن إتيانها بأكلهما ما أكلا منها، بعد أن بيَّن الله ـ جلَّ ثناؤه ـ لهما عين الشَّجرة التي نهاهما عن الأكل منها، وأشار لهما إليها بقوله: {وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة: 35].
ولم يَضَعِ اللهُ ـ جلَّ ثناؤه ـ لعباده المخاطَبين بالقرآنِ دلالة على أي أشجار الجنَّة كان نهيه آدمَ أن يقربَها، بنصٍّ عليها باسمها، ولا بدلالةٍ عليها، ولو كان للهِ في العلمِ بأي ذلك من أيٍّ رضًا، لم يُخْلِ عبادَه من نصبِ دلالةٍ لهم عليها، يصلون بها إلى معرفة عينها، ليطيعوه بعلمهم بها، كما فعل ذلك في كل ما بالعلم به له رضًا.
فالصوابُ في ذلك أن يقال: إن الله ـ جلَّ ثناؤه ـ نهى آدم وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فخالفا إلى ما نهاهما الله عنه، فأكلا منها، كما وصفهما الله ـ جلَّ ثناؤه ـ به، ولا علم عندنا بأي شجرةٍ كانت على التَّعيين لأن الله لم يضعْ لعباده دليلاً على ذلك في القرآن ولا في السُّنَّة الصحيحة، فأنَّى يأتي ذلك؟
وقد قيل: كانت شجرة البُرِّ، وقيل: كانت شجرة العنب، وقيل: كانت شجرة التين.
وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك علمٌ، إذا عُلِمَ لم ينفع العالم به