كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]، فالجزاءُ من جنسِ العملِ، واللهُ أعلمُ.
ولو تتبَّعتَ مناسباتِ الألفاظِ، وحسنَ اختيارِها في مواقِعها، لوجدت شيئًا كثيرًا، وعِلمًا غزيرًا. فتدبَّرْ ـ مثلاً ـ في سورةِ مريمَ تكرار اسم اللهِ الدَّالِّ على الرحمةِ: «الرحمن»، فقد وردَ في أحد عشر موضِعًا، ومجملُ وروده في القرآن في سبعة وخمسين موضعًا.
وورودُه في بعض المواطنِ مثيرٌ للسُّؤالِ؛ لأنه يتبادرُ إلى الذِّهنِ أنَّ غيرَه من الأسماءِ الحسنى أليقُ بهذا الموطنِ، لكن عندَ تأمُّلِ مناسبةِ ورودِه، ومعرفةِ ارتباطِ موضوعِ الآيةِ به، تُبْعِدُ باديَ الرأي الذي طَرَأَ لكَ، وتقتنعُ بأنه جاء في مكانه الأنسبِ له، وتقولُ: تباركَ من تكلَّمَ بهذا الكلام.
ففي قول إبراهيمَ لأبيه آزرَ: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم: 45]، قد يبدو لك أنَّ التَّهديدَ بالعذابِ لا يتناسبُ معه ذكر الاسم الدَّالِ على الرَّحمةِ، بل يناسبه من الأسماءِ ما دلَّ على القوَّةِ والانتقام؛ كالقهَّارِ والقويِّ والعزيزِ.
ولكنَّك عند التأمُّل يظهرُ لكَ أنَّ المقامَ مقامُ دعوةٍ وتلطُّفٍ، فناسبَ في مقامِ ذكرِ الوعيدِ أن يورِدَ الاسمَ الدَّالَّ على الرَّحمةِ، ترغيبًا لأبيه وتلطُّفًا معه.
كما يمكنُ أن يكونَ ذكرُ اسم الرَّحمنِ هنا من أشدِّ أنواعِ التَّهديدِ، نظرًا لأنَّ الرَّحمنَ لا يُعذِّبُ إلاَّ من بلغَ حدًّا جعلَه يخرجُ عن رحمتِه، من بابِ قولِهم: اتقِ غضبةَ الحليمِ إذا غضبَ، فغضبه يدلُّ على أنَّ ما اقتُرِفَ في حقِّه خرجَ عن حدِّ التَّحلُّمِ، وأنَّ صاحبَه يستحقُّ العقوبةَ، واللهُ أعلمُ.