(ت: 40) في النَّاسخِ والمنسوخِ، فقد وردَ عنه أنَّه مرَّ بقاصٍّ يقصُّ في المسجدِ، فقال له: «أعلِمتَ النَّاسخَ والمنسوخَ؟

قال: لا.

قال: هلكتَ وأهلكتَ» (?).

وقد نبَّه على مفهومِ النَّسخِ عند السَّلفِ جمعٌ من العلماءِ، أنقلُ لك من أقوالِهم قول الشَّاطبيِّ (ت: 790): «... الذي يظهرُ من كلامِ المتقدمين أنَّ النَّسخَ عندهم في الإطلاقِ أعمُّ منه في كلامِ الأصوليين، فقد يطلقون على تقييد المطلقِ نسخًا، وعلى تخصيصِ العمومِ بدليلٍ متَّصلٍ أو منفصلٍ نسخًا، وعلى بيانِ المبهمِ والمجملِ نسخًا، كما يطلقون على رفع الحكمِ بدليلٍ متأخِّرٍ نسخًا؛ لأنَّ جميع ذلك مشتركٌ في معنًى واحدٍ، وهو أنَّ النَّسخَ في الاصطلاحِ المتأخِّرِ اقتضى أنَّ الأمرَ المتقدِّمَ غيرُ مرادٍ في التَّكليفِ، وإنما المرادُ ما جيء به آخِرًا، فالأوَّلُ غيرُ معمولٍ به، والثَّاني هو المعمولُ به.

وهذا جارٍ في تقييدِ المطلقِ، فإنَّ المُطلَقَ متروكُ الظَّاهرِ مع مُقَيِّدِهِ، فلا إعمالَ له في إطلاقِه، بل المُعمَلُ هو المقيَّدُ، فكأن المطلقَ لم يُفِدْ مع مُقَيِّدِهِ شيئًا، فصارَ مثلَ النَّاسخِ والمنسوخِ.

وكذلك العامُّ مع الخاصِّ، إذْ كانَ ظاهرُ العامِّ يقتضي شمولَ الحكمِ لجميعِ ما يتناولهُ اللَّفظُ، فلمَّا جاءَ الخاصُّ، أخرجَ حُكمَ العامِّ عن الاعتبارِ، فأشبه النَّاسخَ والمنسوخَ. إلاَّ أنَّ اللَّفظَ العامَّ لم يُهمَلْ مدلولُه جملةً، وإنما أُهمِلَ منه ما دلَّ عليه الخاصُّ، وبقِيَ السَّائرُ على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015