والاستهلال، يطلق على معان كل منها مشتمل على نوع افتتاح.

فاستهل: رأى الهلال. واستهل المولود. صاح في أول زمان الولادة.

واستهلت السماء: جادت بالهلل بفتحتين وهو أول المطر. وكل من هذه المعاني مناسب للنقل منه إلى المعنى الاصطلاحي، وإن خصه بعضهم بالنقل من المعنى الثاني، قال: وإنما سمي هذا النوع الاستهلال، لأن المتكلم يفهم غرضه من كلامه عند ابتداء رفع صوته به.

فمن براتة الاستهلال التي يفهم من إشاراتها إنها تهنية بالفتح والظفر على العدو قول أبي تمام يهنئ المعتصم بالله بفتح عمورية، وكان المنجمون زعموا أنها لا تفتح في هذا الوقت:

السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لأسود الصفاح في ... متونهن جلاء الشك والريب

وقول أبي محمد عبد الله بن محمد بن أحمد الخازن يهنئ الصاحب بن عباد بسبطه الشريف أبي الحسن عباد بن علي الحسني. وهو مما يشعر بقرينه الذوق أنه يريد التهنئة بمولود:

بشرى فقد أنجز الإقبال ما وعدا ... وكوكب المجد في أفق العلا صعدا

وكان الصاحب بن عباد لما أتته البشارة بسبطه المذكور أنشأ يقول:

الحمد لله حمداً دائماً أبدا ... إذ صار سبط رسول الله لي ولدا

فقال أبو محمد الخازن قصيدته التي ذكرنا مطلعها، وما أحسن قوله فيها:

وكادت الغادة الهيفاء من طرب ... تعطي مبشرها الأرهاف والغيدا

ومن معانيه الغريبة فيها قوله:

لم يتخذ ولداً إلا مبالغة ... في صدق توحيد من لم يتخذ ولدا

ومن البراعات التي تشعر بأنها تهنئة بالنصر على الأعداء، قول خالي القاضي زيد بن محسن بن الحسين بن الحسن بالظفر على أهل عمد:

العز تحت ظلال السمر والقضب ... يوم الوغى ومسامي البيض لم تخب

ومما يشعر بالتهنئة بالقدوم قول سيدي ومولاي الوالد مهنئاً سلطان مكة المذكورة بقدومه الطائف الميمون وحلول به:

قد أقبل السعد بالأفراح يبتدر ... والدهر يرتاح مختالاً ويفتحر

ومن أحسن البراعات وألطفها براعة مهيار بن مرزويه الكاتب فإنها مما يضرب بها المثل في براعة الاستهلال.

وكان من أمره، أنه اتفق أن بعض الوشاة وشى به في أمر محال اتصل بحضرة الملك ركن الدين أبي طاهر، فاقتضى أن استدعى إلى داره، واعتقل ليلة على كشف الصورة اعتقالاً جميلاً، ثم انكشفت له البراءة من أبطال الساعي، وأفرج عنه إفراجاً مبيناً. فقال يمدح الملك المذكور، ويعرض بالساعي، وأنشدها بحضرته يوم عيد الفطر سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة.

أما وهواها عذرة وتنصلا ... لقد نقل الواشي إليها فأمحلا

وما ألطف ما قال بعده:

سعى جهده لكن تجاوز حده ... وكثر فارتابت ولو شاء قللا

فقال ولم تقبل ولكن أسبه ... على أنه ما قال إلا لتقبلا

وطارحها أني سلوت فهل يرى ...

له الويل

مثلي عن هوى مثلها سلا

أأنقض طوعاً حبها عن جوانحي ... وإن كان حبا للجوانح مثقلا

أبى الله والقلب الوفي بعهده ... والفٌ إذا عُد الهوى كان أولا

فأبرز التنصيل مما رمي به في معرض التغزل والنسيب. وهذه القصيدة كلها غرر، ودرر. ولولا خوف الإطالة لأثبتها برمتها؛ فإنها قليلة الوجود ولكن لا بد من ذكر شيء منها: فمنها في الغزل:

أيا صاحبي نجواي يوم (سويقة) ... أناة وإن لم تسعدا فتجملا

سلا ظبية الوادي وما الظبي مثلها ... وإن كان مصوقل الترائب أكحلا

أأنتِ أمرت البدر أن يصدع الدجى ... وعلمت غضن البان أن يتميلا

وحرمت يوم البين وقفة ساعةٍ ... على عاشق ظن الوداع محللا

جمعت عليه حرقة الدمع والجوى ... وما اجتمع الداءان إلا ليقتلا

هبي لي عيني واحتملي كلفة الأسى ... على القلب أن القلب اصبر للبلا

أراك بوجه الشمس والبعد بيننا ... فاقنع تشبيهاً بها وتمثلا

وأذكر عذبا من رضابك مسكراً ... فما أشرب الصهباء إلا تعللا

هنيئاً لحب المالكية أنه ... رخيص له ما عزَّ مني وما غلا

تعلقتها غراً وليداً وناشئا ... وشبت وناشي حبها ما تكهلا

ووحدها في الحب قلبي فما له ... وإن وجد الإبدال، أن يتبدلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015