بادي البشرة أسود الرأس، فصيح ماش على قدميه لكن ليس من الناس. نشازي النبض ما به من ورم، ناحل الجسم ليس عليه سقم، أرى قدمه، أراق دمه، ولسانه مهد عدمه. كف نفسه عن الراحة، وزاحم بالركب أهل الفصاحة، حتى يضرب به المثل بين الأماثل، ويذعن لنظمه ونثره الأفاضل. ذو اللسانين وذو البيانين، قد هدي النجدين واقتحم العقبتين، وجمع بين العلم والعين. مهندس ينقش الخطوط على السطوح للتعاليم، منجم يصلح الزيجات والتقاويم.

ينقص بالأصابع طل الأقدام، ويرقم على الرخامات دقائق الليالي والأيام. لا يأبى السلاطين ما رسمه، ولا يتجاوز الأساطين عما رقمه. أعجم يعرف اللغات كلها، أدهم قد طوى المقامات جلها. يقول حين يبرز في نادي البيان: عند الامتحان يكرم المرء أو يهان. صوفي قطع المنازل وبلغ الغايات، ورجع القهقرى لتصحيح البدايات. إن لم يقطع لسانه لم يفصح بيانه، وان لم يشق سنانه لم ينطلق لسانه. عربي واسطي، أصله هندي، زنجي نسله طوطي، أسود المنقار كأن منقاره من قار، ذو ذؤابة يعلم من مسيرة طول حلول الآجال، ويفهم من ظهوره انتقال الدولة وتداول الإقبال، وتحول الأحوال. أحرز قصبات السبق في مضمار البيان، حتى صار بحيث تشير ليه المهرة في ذلك الفن بالبنان. كأنه عصا موسى، وقد ألقيت فإذا هي حية تسعى. أبو قلمون يتقلب في الأطوار، ويتحول من شعار إلى شعار، طورا ينظم القوافي والأشعار، وتارة تلقاه ينثر لأليء الحكم والأسرار ساعة تبصره أنيس الإعلام ذوي البراعة، وكرة تصادفه سمير أهل المجون والخلاعة. سحار يأتي بالغرائب، مكار يري الناظرين العجائب. يثبت في سماء مشرقة كواكب مظلمة، وينثر على صفحة النهار قطعا من الليل معتمة. كاتب شهيد، وحاسب عتيد. تجرع مرارة مذاق الكد حتى تضلع من فنون العلوم، وتحمل الصبر على استنشاق دخان السراج حتى برع بين الفضلاء ذوي الفهوم. لا يزال رطب اللسان في شكر باريه، عذب البيان بذكر باريه. محدث تحدث عنه الآثار، وتنتقل عنه الأخبار في الأقطار. بازي يمتطي أيدي الصناديد الصيد، لا يطير من أيديهم ويصيد. له إشارة مبهمة، وعبارة مفهمة. انقطع عن عبرته لنيل طلبته، حتى بلغ مبلغ الرجال، ونال من الشرف ما نال، فحق أن ينشد فيه.

قول من قال:

ورث النجابة كابرا عن كابر ... كالرمح أنبوبا على أنبوب

حكيم تنطوي إشارته على تلويحات إلى قانون الشفاء، وتحتوي على تنبيهات لمناهج النجاة عن درك الجهل والشقاء. له مواقف يحقق فيها مقاصد الكلام، وعوارف معارف يكشف بها عن وجوه الفرائد اللثام. يعرض ذات الشمال وهو من أهل اليمين. ويصدق في أكثر الأقوال ولكنه قد يمين. لا تنظم مصالح الأنام إلا بحسن مساعيه، ولا تنضبط حوادث الأيام إلا بيمن مراعيه. أجوف وهو مصدر المثال، مهموز سالم من الاعتلال. لفيف مفروق من إخوانه، خفيف ناقص من أوزانه. أصل واحد تصدر عنه الأمثلة لمعان مقصودة لا تحصل إلا به، نصل شاهد لا يصاب غرض المطالب ألا بنابه. نموم يسعى في هتك الأستار، غشوم نفوذ في كشف الأسرار، تقي لا يزال مولعا بافتضاض أبكار بنات الأفكار. خضر خاض الظلمات، حتى أرتوي من ماء الحياة. مستوف قد أحاط أبواب حواصل الأقاليم جمعا أو خرجا، وزير قد نظم غوامض أمور الممالك هرجا ومرجا. مشير ذوي النهى في النوائب ومؤنسهم (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم) رشيق القد أسيل الخد، أليف الكد طويل المد، قد جاوزت شمائله حد العد. ألف ممدود لا يمنع الصرف، سالك مرتاض لكنه يعبد الباري على حرف. تعمم بشعار آل العباس، وأقام أمر النجدة والباس، فقال: أيها الناس.

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015