منع البقاء تقلب الشمس ... وخروجها من حيث لا تمسي.

وطلوعها حمراء صافية ... وغروبها صفراء كالورس.

تجري على كف السماء كما ... يجري حمام الموت في النفس.

وأخذ أبو الشيبص قول عمر بن أبي ربيعة فقال:

أما وحرمة كأس ... من المدام العتيق.

وعقد نحر بنحر ... ومزج ريق بريق.

فقد جرى الحب مني ... مجرى دمي في عروقي.

وأخذه أبو الطيب أيضاً فقال:

جرى حبها مجرى دمي في مفاصلي ... فأصبح لي عن كل شغل بها شغل.

وقال بشار بن برد:

يا أطيب الناس ريقا غير مختبر ... إلا شهادة أطراف المساويك.

وأحسن إتباعه التهامي فقال:

ولم أشهد لهن جنى ولكن ... شهدن بذاك أعواد البشام.

وزاد عليه ابن الساعاتي فقال:

يخبر عن لثم السلاف لثامه ... وتشهد أطراف الأراك بشهده.

وقال مؤلفه وهو أحسن من الكل سبكا:

وبثغر ماء الحياة لأنفس ... أودى بهن من الصدود هلاك.

ما ذقت مورده ولكن هكذا ... نقل الأراك وحدث المسواك.

وقال أبو تمام:

كانت مساءلة الركبان تخبرني ... عن أحمد بن سعيد أطيب الخبر.

حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري.

فأحسن أبو الطيب إتباعه فقال:

وأستكبر الأخبار قبل لقائه ... فلما التقينا صدق الخبر الخبر.

فبالغ وأوجز، وجاء بالطباق والجناس.

حكى ابن الأنباري قال: لما قدم العلامة السري جار الله الزمخشري بغداد قاصا للحج، قصده الشريف أبو السعادات بن الشجري نقيب السادات الأشراف، فلما اجتمع به أنشده (كانت مساءلة الركبان تخبرني ... الخ البيتين) فقال الزمخشري: روينا من طريق صحيحة الإسناد: أنه لما وفد زيد الخيل على النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا زيد ما وصف لي أحد من الجاهلية فوجدته في الإسلام فوق ما وصف غيرك. قال ابن الأنباري: فخرجنا ونحن نتعجب كيف يستشهد الشريف بالشعر، والزمخشري بالحديث وهو رجل أعمى.

وقال أبو تمام أيضاً يرثي طفلين:

لهفي على تلك الشواهد فيهما ... لو أمهلت حتى تكون شمائلا.

نجمان شاء الله أن لا يطلعا ... ألا ارتداد الطرف حتى يأفلا.

فأحسن أبو الطيب أيضاً إتباعه فقال يرثي عبد الله بن سيف الدولة:

بنفسي وليد عاد من بعد حمله ... إلى بطن أم لا تطرق بالحمل.

بداوله وعد السحابة بالروى ... وصد فينا غلة البلد المحل.

فأجاد السبك وزاد بمراعاة النظير بين السحابة والروي، والغلة والمحل، وأربى عليه في المعنى بقوله (وصد فينا غلة البلد المحل) لأن مقدار حاجتهم إلى وجوده.

وقال البحتري:

أخجلتني بندى يديك فسودت ... ما بيننا تلك اليد البيضاء.

صلة غدت في الناس وهي قطيعة ... عجبا وبر راح وهو جفاء.

فأحسن إتباعه أبو العلاء المعري فقال:

لو اختصر تم من الإحسان زرتكم ... والعذب يهجر للإفراط في الخصر.

فاستوعب معنى البيتين في صدر بيته، وزاد عليه في التمثيل في العجز، وأخرجه مخرج المثل السائر مع حسن السبك والإيجاز، والإيضاح وحسن البيان.

وقال أبو الطيب:

ولذا اسم أغطية العيون جفونها ... من أنها عمل السيوف عوامل.

وأحسن سبط ابن التعاويذي أتباعه فقال:

بين السيوف وعينيه مشاركة ... من أجلها قيل للأغماد أجفان.

فإنه أخذ المعنى من قطعة خشب وأودعه في سبيكة ذهب.

وقال أبو الطيب أيضاً:

لو قلت للدنف الحزين فديته ... مما به لأغرنه بفدائه.

فأحسن إتباعه ابن الخياط فقال:

أغار إذا آنست في الحي أنة ... حذاراً وخوفاً أن تكون لحبه.

وقال ابن المعتز:

وتحت زنانير شددن عقودها ... زنانير أعكان معاقدها السرر.

فأحسن التهامي أتباعه فقال:

لولاه لم يقض في أعدائه قلم ... ومخلب الليث لولا الليث كالظفر.

ما صر إلا وصلت بيض أنصله ... في الهام أوطأت الأرماح في الثغر.

وغادرت في العدى طعنا يحف به ... ضرب كما حفت الأعكان بالسرر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015