ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلا الأذلان غير الحي والوتد

هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثي له أحد

ذكر العير والوتد, ثم أضاف إلى الأول الربط مع الخسف, وإلى الثاني الشج.

وقول ربيعة الرقي:

لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأغر ابن حاتم

يزيد سليم سالم المال والفتى ... فتى الأزد للأموال غير مسالم

فهم الفتى الأزدي إتلاف ماله ... وهم الفتى القيسي جمع الدراهم

وقول أبي الفتيان ابن حيوس:

ثمانية لم تفترق مذ جمعتها ... فلا افترقت ما ذب عن ناظر شفر

يقينك والتقوى وجودك والغنى ... ولفظك والمعنى وسيفك والنصر

الثاني: أن يتقصى تفصيل ما ابتدأ به, ويستوفي جميع الأقسام الذي يقتضيها ذلك المعنى, كقوله تعالى "هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا" إذ ليس في رؤية البرق إلا الخوف من الصواعق والطمع في الغيث ولا ثالث لهذين القسمين, وقوله تعالى "الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم" استوفى جميع هيئات الذاكر, وقوله تعالى "يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكوراً, ويزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما" استوفى جميع أحوال المشروحين ولا خامس لها.

وكان الحسن البصري يقول: لا توبة لقاتل المؤمن متعمدا, فدس إليه عمرو بن عبيد رجلا وقال: قل له: لا يخلو من أن يكون مؤمنا أو كافرا أو منافقا (أو فاسقا) . فإن كان مؤمنا, فإن الله سبحانه يقول "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا", ويقول "توبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون", وإن كان كافرا فانه تعالى يقول "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف", وإن كان منافقا فانه تعالى يقول "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا", وإن كان فاسقا فانه يقول "أولئك هم الفاسقون إلا الذين تابو".

فقال الحسن للرجل: من أين لك هذا؟ قال: شيء اختلج في صدري, قال: محال: أصدقني, فقال: عمرو بن عبيد, فقال عمرو وما عمرو, إذا قام بأمر قعد به, وإذا قعد بأمر قام به. ورجع عن قوله.

وحكي أنه قدم وفد من العراق على هشام بن عبد الملك وفيهم رجل من بني أسد, فقال: يا أمير المؤمنين, أصابتنا سنون ثلاث. أما الأولى فأذابت الشحم, وأما الثانية فنخست اللحم, وأما الثالثة, فهاضت العظم, وفي أيديكم فضول أموال, فإن كانت لله فبثوها في عباد الله, وإن كانت لهم فلا تمنعوهم إياها, وإن كانت لكم فتصدقوا إن الله يجزي المتصدقين.

فقال هاشم: ما ترك لنا في واحدة عذرا, ثم قال له: قد قلت في حاجة العامة فقل في حاجة نفسك, فقال: ما لي حاجة في خاصة دون عامة.

ولما ورد قتيبة من مسلم خراسان قال: بلغني أن لعبد الله بن حازم بهذه البلدة مالا فمن كان في يده شيء منه فلينبذه, ومن كان في فمه فليلفظه, ومن كان في صدره فلينفثه, فتعجبوا من حسن تفصيله.

ومثاله في الشعر قول نصيب:

فقال فريق الحي لا وفريقهم ... نعم وفريق قال ويحك لا ندري

وقول زهير:

وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عم

وقوله:

فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو شهود أو جلاء

وروي أن عمر لما سمع هذا البيت قال: لو أدركت زهيراً لوليته القضاء.

وقول الشماخ يصف صلابة سنابك الحمار:

متى ما تقع أرساغه مطمئنة ... على حجر يرفض أو يتدحرج

فليس في أقسام ما وطي الوطي الشديد إلا أن يوجد إما رخوا فيرفض, أو صلبا فيتدحرج.

وقول عمرو بن الأهتم:

اشربا ما شربتما فهذيل ... من قتيل أو هارب أو أسير

وقول أبي تمام في مجوسي أحرق بالنار:

صلى لها حيا وكان وقودها ... ميتا ويدخلها مع الفجار

وقول الآخر:

ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة ... يواسيك أو يسليك أو يتوجع

فان المشكو إليه إما أن يواسي الشاكي وهي الرتبة العليا, وإما أن يسليه وهي الرتبة الوسطى, وإما أن يتوجع وهي الرتبة السفلى.

وفساد التقسيم يكون إما بالتكرار كقوله:

فما برحت تومي إليك بطرفها ... وتومض أحيانا إذا خصمها غفل

فتومي بطرفها وتومض متساويان في المعنى.

أو بدخول أحد القسمين في الآخر كقول عدي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015