ألمع برق سرى أم ضوء مصباح ... أم ابتسامتها بالمنظر الضاحي

فإنه يعلم أن الابتسام غير لمع البرق وضوء المصباح, لكنه لما قصد المبالغة في وصفه باللمعان والضياء, استفهم استفهام من لا يعلم, حتى كأنه من شدة الشبه بينهما التبس عليه أحدهما بالآخر, والمشهور الأول, أعني سوق المعلوم مساق المجهول, سواء كان على طريق التشبيه أو غيره, لكن لا بد له من نكتة, كالمبالغة في المدح, أو الذم, أو التعظيم, أو التحقير؛ أو التوبيخ؛ أو التقرير؛ أو التدله؛ أو التعريض, أو غير ذلك.

قال التفتازاني: ونكت التجاهل أكثر من أن يضبطها العالم.

فمما ورد منه للمبالغة في المدح قول حسان بن ثابت:

أنسيم ريقك أخت آل العنبر ... هذا أم استنشأته من مجمر

وبديد ثغرك ما أرى أم لمحة ... من بارق أم معدن من جوهر

وقول مهيار الديلمي رحمه الله وفيه التعظيم والتدله:

أمن بابل أم من نواظرك السحر ... أمن حانة أم من مراشفك الخمر

وهل ما أراه أم حادث النوى ... وهل هو شوق بين جنبي أم جمر

سلوا بعدكم وادي الحمى ما أساله ... دمي أم دموع العاشقين أم القطر

وقول ظافر بن القاسم الحداد:

يا أيها الرشأ الذي من طرفه ... سهم إلى حب القلوب نفاذه

در يلوح بفيك من نظامه ... خمر يجول عليه من نباذه

وقناة ذاك القد كيف تقومت=وسنان ذاك اللحظ ما فولاذه وقول مهذب الدين الطرابلسي:

من ركب البدر في صدر الرديني ... وموه السحر في حد اليماني

وأنزل القمر الأعلى إلى فلك ... مداره في القباء الخسرواني

وقول عمر بن أبي ربيعة:

نظرت إليها بالمحصب من منى ... ولي نظر لولا التحرج عارم

فقلت أشمس أم مصابيح راهب ... بدت لك خلف السجف أم أنت حالم

بعيدة مهوى القرط أما لنوفل ... أبوها وأما عبد شمس وهاشم

ومما ورد من هذا النوع للمبالغة في التعجب, وقد نص الشاعر عليه قول نصر بين سيار:

أرى خلل الرماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون لها ضرام

فإن النار بالزندين تورى ... وإن الحرب أولها كلام

أقول من التعجب ليت شعري ... أأيقاض أمية أم نيام

ومنه للمبالغة في المدح قول ابن مليك الحموي:

أوميض برق بالحمى يتوهم ... أم ثغر صبح نواله يتبسم

وسحاب مزن أم غمام ماطر ... أم بحر جود بالمكارم مفعم

وأخو حروب عند مشتبك القنا ... أم فيلق قد سار وهو عرمرم

ومحله حرم غدا أم ملجأ ... أم كعبة الراجين حين تيمموا

وقوله:

طراز ذاك العذار من رقمه ... ودر دمعي بفيه من نظمه

وخاله فوق كنز مبسمه ... بالمسك قفلا عليه من ختمه

وقول التلعفري:

أتلك قدود أم غصون موائد ... ونور نضيد فوقها أم قلائد

وهاتيك غيد آنسات نواعم ... بدت أم ظباء نافرات شوارد

وقولي:

معاطف أم رماح سمهريات ... وأعين أم مواض مشرفيات

يا قاتل الله ألحاظا سفكن دمي ... أكان عندي لها في الحب ثارات

وقلت بعده:

سل عن دمي عندما تلقاك مسفرة ... تخبرك عنه الخدود العندميات

ما بلبل القلب من وجد ومن وله ... هواي لولا العيون البابليات

وما أبرئ نفسي إنها حكمت ... بالحب فاحتكمت فيها الصبابات

وليس بدعا فكم بالعشق قد بليت ... قبلي نفوس عن البلوى أبيات

يا عاذلي في الهوى أسرفت في عذلي ... وكأن يكفيك لو أجدت إشارات

كيف السلو وأشواقي في مضاعفة ... وبين حبي وسلواني منافات

هيهات قلبي عصاني في محبتهم ... لما غدا وله في الحب طاعات

وما ربوع الهوى يوما بدارسة ... وقد وفت لي الحسان العامريات

لي من سعاد سعادات أفوز بها ... يوم اللقاء ومن لبنى لبانات

وفي غرامي سر لا أبوح به ... وللمحبين أسرار خفيات

لا أنكرن الهوى من بعدما تليت ... علي من سور الأحباب آيات

فخذ صحيح الهوى عني ومسنده ... فكم بإسناده عندي روايات

ومن يناظرني فيه وقد نشرت ... على مفارق لهوي منه رايات

واستفرغته صباباتي فما بقيت ... بعدي لأهل الهوى إلا صبابات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015