والخّل: النحيف المهزول. فصح معه جناسان مضمران في صدر البيت وعجزه. فالأول (صهباء وصهباء) والثاني في (خلّ وخلَ) ولم يسمع في هذه الصناعة أحسن من هذين البيتين، وقل من ذكر هذا النوع، وهو عزيز الوجود جداً، وأكثر من ألف في المعاني والبيان أغفل ذكره، فسلم يذكره الساكي في مفتاحه، ولا القزويني في تلخيصه ولا إيضاحه، ولا ابن رشيق في العمدة، ولا ابن أبي الأصبع في تحريره، على تبحره، ولا ابن منقذ في كتابه. وإنما نظمه الشيخ صفي الدين في بديعيته، لأنها نتيجة سبعين كتاباً في هذا الفن، كما ذكره في شرحها. واقتصر عليه فلم ينظم تجنيس الإشارة لأنها بالنسبة إلى هذا القسم كلا شيء، فهي كما قيل: في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل.

قال ابن حجة: كان شيخنا علاء الدين القضامي يقول: ما أعلم لبيت أبي بكر بن عبدون في إضمار الركنين ثانياً، غير بيت الشيخ صفي الدين ولو لم يفتح ابن عبدون هذا الباب في بيته، ما حصل للشيخ صفي الدين دخول إلى نظم هذا النوع. انتهى.

قلت: هذا عدم إطلاع من شيخ ابن حجة المذكور. وليس ابن عبدون أول من اخترع هذا النوع حتى يكون هو الفاتح لهذا الباب، فقد وقع في شعر أبي العلاء أحمد بن سليمان المعري هذا الجناس بعينه، وصح معه في بيت واحد جناسان مضمران، كما صحا مع ابن عبدون في بيته المتقدم ذكره. المعري أقدم من ابن عبدون بأكثر من مائة عام.

وبيت المعري هو قوله:

نهارهم ابن يعفر في ضحاه ... وليلة جارهم بنت المحلق

فابن يعفر هو الأسود، وبنت المحلق اسمها ليلى، أي ليلة جارهم مظلمة. يقال: ليلاء وليلى، أي طويلة شديدة الظلام، فتم معه الجناسان المضمران. وله أيضاً.

هزت إليك من القد ابن ذي يزن ... ولاحظتك بهاروت على عجلِ

أرتك عمَّ رسول الله منتقباً=أبا حذيفة يحكي أو أبا جملِ ابن ذي يزن هو سف الملك المشهور، وعمُّ رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم (: العباس، وحذيفة وجمل ابنا بدر، ففي كل ذلك جناس معنوي. ومن العجب أن الشيخ صلاح الدين الصفدي قال في شرح لامية العجم وفي كتابه المسمى بجنان الجناس لما اعترضه الجناس المعنوي: هذا النوع باطل، وأورد منه في تذكرته أبياتاً جارية على ما شرطه أرباب هذا الفن فيه، ومما أورد بيت المعري المذكور.

وقول بعضهم يهجو إنساناً:

على أبوابه في كل حين ... لسائله أخو عمرو بن ود

اسم أخيه: ضبة.

أخو لخم أعارك منه ثوبا ... هنيئاً بالقميص المستجد

أخو لخم اسمه جذام.

وقد ألقى كساء أبي عبيد ... عليك فصرت أكسى أهل نجد

أبو عبيد يلقب بالأبرص

أراد أبوك أمك حتى زفت ... فلم توجد لأمك بنت سعدِ

بنت سعد اسمها عذرة.

أراني الله جسمك في خفاء ... وعينك مثل بشار بن بردِ

أي عمياء لأن بشاراً كان أعمى. فهذه الأبيات طرفة في هذا الباب فمن كتب بخطه هذه الأبيات كيف ينكر هذا النوع، ولعله خفي عليه معناه أولاً ثم ظهر له فيما بعد والله أعلم.

ومنه قول بعضهم وفيه أربع جناسات:

بابي قدار منك وابن زرارة ... أدنيت حتف المستهام العاني

لو أنّ كان أبو معاذ قلبه ... ما كان في البلوى أبا حسانِ

أبو قدار اسمه سالف، وابن زرارة اسمه حاجب، وأبو معاذ اسمه جبل، وأبو حسان اسمه ثابت. يعني بسالف منك وحاجب أدنيت حتف المستهام الأسير فلو أن قلبه كان جبلاً لما كان ثابتاً. فصح معه في كل بيت جناسان مضمران.

ومن ذلك ما يحكى أن بعضهم سئل عن معشوق له فقال: أبو سفيان، فقيل له: استعن عليه بنت بسطام. أراد أن صخر، والآخر أراد أنه يسقيه صهباء، فنظم ذلك بعض الشعراء فقال:

ولم أنسه إذ زار بعد أزوراره ... فبت نديم البدر في ليلة البدرِ

وكان أبو سفيان حتى تولعت ... بابنة بسطام فبتنا إلى الفجر

خليفة بغداد الموفى ثلاثة ... وعشرين والموفي الثلاثة في مصر

أراد المطيع والحاكم، يعني بات مطيعاً لي، وبت حاكماً عليه.

وللباخرزي:

لم يخل مذ أعرضت عن جانبي ... حلقي وقلبي من شجىً أو شجنْ

ما غير سلسالك وردي ولو ... حزَّ وريدي بابنه ذو يزن

أراد بسيف.

ولأبي الحسن الجزار:

يا أخا مالك ويا من له الخن ... ساء أخت ويا أبا لمعاذِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015