وهو في الاصطلاح, أن يشار في الكلام إلى آي من القرآن, أو حديث مشهور, أو شعر مشهور أو مثل سائر, أو قصة, من ذكر شيء من ذلك صريحا. وأحسنه وأبلغه, ما حصل به زيادة في المعنى المقصود. قال الطيبي في التبيان: ومنه قوله تعالى (ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا) . وقال جار الله: قوله: وآتينا داود زبورا, دلالة على تفضيل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو خاتم الأنبياء وأن أمته خير الأمم, لأن ذلك مكتوب في الزبور. قال تعالى (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) , وقال: وهو محمد صلى الله عليه وآله وأمته.

ولنرتب شواهد هذا النوع على فصول.

الفصل الأول فيما وقع التلميح فيه إلى آية من القرآن فمنه قول نصر بن أحمد الخبز أرزي رحمه الله:

أستودع الله أحبابا فجعت بهم ... بانوا وما زودني غير تعذيب

بانوا ولم يقض زيد منهم وطرا ... ولا انقضت حاجة في نفس يعقوب

لمح في المصراع الأول إلى قوله تعالى (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها) , وفي الثاني قوله تعالى (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) .

ولمح إلى الآية الأولى البهاء زهير في مطلع قصيدة له فقال:

لم يقض زيدكم من حبكم وطره ... ولا قضى ليله من حبكم سمره

يا صارفي القلب إلا عن مودتهم ... وسالبي الطرف إلا عنهم نظره

ولمح في الثانية أيضاً الشريف الرضي رضي الله عنه في قوله:

وحاجة أتقاضاه وتمطلني ... كأنها حاجة في نفس يعقوب

ومنه قول بعضهم:

ما في الصحاب وقد سارت حمولهم ... إلا محب له في الركب محبوب

كأنما يوسف في كل راحلة ... والحي في كل بيت منه يعقوب

يشير إلى ما قصه سبحانه في القرآن العظيم من أمر يوسف. وحرض يعقوب عليهما السلام.

ولهذين البيتين حكاية لطيفة, وهي ما حكي أن الشيخ شهاب الدين السهروردي صاحب عوارف المعارف لما رجع من الشام إلى بغداد, وجلس على عادته للوعظ, أخذ يقلل أحوال الناس, ويهضم جانب الرجال ويقول: أنه ما بقي من يلقى وقد خلت الدنيا.

وأنشد:

ما في الصحاب أخو وجد نطارحه ... حديث نجد ولا خل نجاريه

وجعل يكرره ويتواجد, فصاح عليه من أطراف المجلس شاب عليه قبا وكلونة: يا شيخ كم تشطح وتتنقص بالقوم, والله إن فيهم من لا يرضى أن يجاريك, وقصاراك أن تفهم ما يقول, هلا أنشدت؟ (ما في الصحاب وقد سارت حمولهم) وأنشد البيتين. فصاح السهروردي ونزل عن كرسيه وقصد الشاب ليعتذر إليه فلم يجده, ووجدت مكانه حفرة فيها دم كثير لشدة ما كان يفحص برجليه عند إنشاد الشيخ البيت. وهو من قصيدة لابن المعلم الوسطى تقدم إنشاد بعضها في نوع الانسجام.

وقلت ملمحا التلميح المذكور لغرض سنح:

لله من واله عان بأسرته ... ومن محب غدا يبكيه محبوب

كأنه يوسف في السجن مضطهدا ... وكل ذي خلة في الحي يعقوب

ومن بديع هذا النوع قول أبي نصر محمد الأصبهاني في ذم مملوك له:

بليت بمملوك إذا ما بعثته ... لأمر أعيرت رجله مشية النمل

بليد كأن الله خالقنا عنى ... به المثل المضروب في سورة النحل

يشير إلى قوله تعالى (وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم ولا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير) الآية.

ومنه قول الباخرزي يمدح جعفر بن داود:

والله لولا حسن نيته لما ... لقي الشقاء ببأسه مسعود

كان الحديد فلان يوم لقائه ... حتى تحقق أنه دواد

يشير إلى قوله تعالى في داود (وألنا له الحديد) ومنه ما ذكره ابن الأبار في تحفة القادم: أن أبا بكر الشبلي جلس يوما على الجسر, فتعرض له بعض الجواري للجواز, فلما أبصرته رجعت بوجهها, وسترت ما ظهر له من محاسنها, فقال أبو بكر المذكور:

وعقيلة لاحت بشاطئ نهرها ... كالشمس طالعة لدى آفاقها

فكأنما بلقيس وافت صرحها ... لو أنها كشفت لنا عن ساقها

حورية قمرية بدوية ... ليس الجفا والصد من أخلاقها

قال بعضهم: ويمكن تغيير البيتين الأولين بأن يقال:

وعقيلة لاحت بشاطئ نهرها ... كالشمس تتلو في المشارق صبحها

لو أنها كشفت لنا عن ساقها ... لحسبتها بلقيس وافت صرحها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015