ولو أن ما أبقيت مني معلق ... بعوم ثمام ما تأود عودها

وقال المجنون في ذلك:

إلا إنما غادرت يا أم مالك ... صدى أينما تذهب به الريح يذهب

وقال بشار بن برد:

في حلتي جسم فتى ناحل ... لو هبت الريح به طاحا

حدث علي بن الصباح على بعض الكوفيين قال: مررت ببشار وهو منبطح في دهليزه كأنه جاموس, فقلت له: يا أبا معاذ من الذي يقول (في حلتي جسم فتى ناحل) البيت؟ قال: أنا, فقلت: فما حملك على هذا الكذب؟ والله إني لا أرى أن الله لو بعث الرياح التي أهلك بها الأمم الخالية ما حركتك من موضعك. فقال بشار من أين؟ قلت من أهل الكوفة, فقال: يا أهل الكوفة لا تدعون ثقلكم ومقتكم على كل حال.

وقال أحمد بن عبد ربه:

سبيل الحب أوله اغترار ... وآخره هموم وادّكار

وتلقى العاشقين لهم جسوم ... براها الشوق لو نفخوا لطاروا

ومنه قول ربيعة الرقية للعباس بن محمد:

إن المكارم لم تزل معقولة ... حتى حللت براحتيك عقالها

العود يرطب إن مسست لحاءه ... والأرض تعشب أن وطئت رمالها

وقول ابن الرومي:

أيامنا غدوات كلها بكم ... خلالهن ليال مثل أسحار

لكم خلائق لو تحظى السماء بها ... لما ألاحت نجوما غير أقمار

وقوله أيضاً:

تغنون عن كل تقريظ بفضلكم ... غنى الظباء عن التكحيل بالكحل

تلوح في دولة الإسلام دولتكم ... كأنها ملة الإسلام في الملل

وقول أبي تمام من قصيدة يمدح بها عبد الله بن الطاهر:

فنول حتى لم يجد من ينيله ... وحارب حتى لم يجد من يحاربه

وقوله في قصيدة المأمون:

الله أكبر جاء أكبر من جرت ... فتحيرت في كنه الأوهام

من لا يحيط الواصفون بقدره ... حتى يقولوا قدره إلهام

من شرد الإعدام عن أوطانه ... بالبذل حتى استطرف الإعدام

وتكفل الأيتام عن آبائهم ... حتى وددنا أننا أيتام

وقوله من أخرى في المعتصم:

تعود بسط الكف حتى لو أنه ... ثناها لقبض لم تطعه أنامله

ولو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله

وقول الشريف الرضي في النسيب:

ولو نفضت تلك الثنيات بردها ... على الصبر الممرور كان يطيب

وقول أن نباته السعدي في فرس:

لا تعلق الألحاظ في أعطافه ... إلا إذا كفكفت من غلوائه

وقول النظام في معنى ما تقدم له آنفا:

ظبي بدا يأنس الأنس ... يجرح اللحظ وباللمس

تحار عين الشمس في وجهه ... كما تحار العين في الشمس

لو صاح بالميت على غفلة ... أجابه الميت من الرمس

ويقال: أن أبا العتاهية قال: أنشدت النظام: أأأههخثقهخعقهيبتنيمبتلنميبتلنميبإذا هم النديم له بلحظ=تمشت في محاسنه الكلوم فقال ينبغي أن ينادم هذا أعمى.

وقد استعمل النظام هذا المعنى في شعره كثيرا, فمنه ما تقدم, ومنه قوله أيضا:

رق فلو بزت سراويله ... علق بالجو من اللطف

يجرحه اللحظ بتكراره ... ويشتكي الإيماء بالطرف

وسيأتي في نوع الغلو ما هو قريب من هذا المعنى, لكنه أكثر مبالغة.

ودون هذا الإغراق قول بعضهم:

لو خليت لمشت نحوي على قدم ... تكاد من رقة للمشي تنفطر

وهذا البيت من جملة أبيات لها حكاية لطيفة وهي, ما روي أن سليمان بن عبد الملك كان في بادية يسمر على ظهر سطح, ثم تفرق عنه جلساؤه, فدعا بضوء, فجاءته جارية به, فبينا هي تصب على يديه قطعت الصب, فأشار إليها بيديه مرارا فلم تصب عليه, فأنكر ذلك, ورفع رأسه, وإذا هي مصغية إلى ناحية العسكر.

وإذا صوت رجل يغني بأبيات وهي:

محجوبة سمعت صوتي فأرقها ... في آخر الليل لما ظلها السحر

تثني على جيدها ثنتي معصفرة ... والحلي منها على لبانها خصر

في ليلة النصف لا يدري مضاجعها ... أوجهها عنده أبهى أم القمر

لو خليت لمشت نحوي على قدم ... تكاد من رقة للمشي تنفطر

وكأن غيورا فأمر بإخصاء المغنين.

والشعر في نوع الإغراق كثير, وفي هذا المقدار كفاية إنشاء الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015