أما والذي أبكى وأضحك عبده ... وأطعم من جوع وآمن من خوف

لما كان لي قلب سوى ما سلبته ... وما جعل الرحمن قلبين في جوف

ومنه قول الآخر وإن كان القسم عليه فيه مدحا:

حلفت بمن سوى السماء وشادها ... ومن مرج البحرين يلتقيان

ومن قام في المعقول من غير رؤية ... فأثبت من إدراك كل عيان

لما خلقت كفاك إلا لأربع ... عقايل لم يعقل لهن ثواني

لتقبيل أفواه وإعطاء نائل ... وتقليب هندي وحبس عنان

وذكر لجميل أمر بثينة - وقد احتضر - فقال في آخر ساعة من ساعات دنياه:

لا والذي تسجد الجباه له ... ما لي بما دون ثوبها خبر

ولا بفيها ولا هممت به ... ما كان إلا الحديث والنظر

ومن الطريف الناصع في هذا قول السلامي:

أما والذي ناجى من الطور عبده ... وأنزل فرقانا وأوحى إلى النحل

لقد ولدت حواء منك بلية ... تنيخ على قلبي وثقلا على ثقل

ويستحسن قول الجاهلي في مثل هذه الأقسام:

أشوقا على شوق وأنت بخيلة ... وقد زعموا أن لا يحب بخيل

بلى والذي حج الملبون بيته ... ويشفى الهوى بالنيل وهو قليل

ومن أشعار الشاميين:

زعموا أن من تشاغل باللذ ... ات عمن يحبه يتسلى

كذبوا والذي تقاد له البد ... ن ومن طاف بالحرام وصلى

إن نار الهوى أحر من الجم ... ر على قلب مدنف يتقلى

وقول شيخنا العلامة محمد الشامي:

أما والراقصات على ألالٍ ... ومن حملوا على الكوم العتاق

لقد أضللت في ليل التصابي ... فؤادا غير مشدود الوثاق

ومن أيمان الفرزدق:

حلفت برب مكة والمصلى ... وأعناق المطي مقلدات

لقد قلدت جلف بني كليب ... قلائد في السوالف باقيات

(ومن أيمان) جميل بثينة:

حلفت يمينا غير ذي مثنوية ... فإن كنت منها كاذبا فعنيت

حلفت لها بالبدن تدمى نحورها ... لقد شقيت نفسي بكم وشقيت

ومن حجازيات الشريف الرضي رضي الله عنه:

أحبك ما أقام مني وجع ... وما أرسى بمكة أخشباها

وما اندفع الحجيج إلى المصلى ... يجرون المطي على وجاها

وما نحروا بخيف منى وكبوا ... على الأذقان مشعرة ذراها

نظرتك نظرة بالخيف كانت ... جلاء العين بل كانت قذاها

ولم يك غير موقفنا فطارت ... بكل قبيلة منا نواها

فواها كيف تجمعنا الليالي ... وآها من تفرقنا وآها

وأقسم بالوقوف على ألال ... ومن شهد الجمار ومن رماها

وأركان العتيق وبانييها ... وزمزم والمقام ومن سقاها

لأنت النفس خالصة فإن لا ... تكونيها لأنت إذن مناها

نظرت ببطن مكة أم خشف ... تبغم وهي ناشدة طلاها

فاعجبني ملامح منك فيها ... فقلت أخا الغريب أما تراها

فلولا أنني رجل حرام ... ضممت قرونها ولثمت فاها

ومنه قول جميل بثينة أيضاً:

قالت ويعش أخي وحرمة والدي ... لأنبهن القوم إن لم تخرج

فخرجت خيفة أهلها فتبسمت ... فعلمت أن يمينها لم تحرج

فلثمت فاها آخذا بقرونها ... شرب النزيف ببرد ماء الحشرج

النزيف بالنون والزاي - على فعيل - بمعنى منزوف ماؤه، يريد به المنزوف من الخمر، نزف من إنائه ومزج بالماء البارد، قاله العيني، والصواب أنه بمعنى العطشان الذي يبست عروقه وجف لسانه، والباء في (ببرد) زائدة كما في قوله: (تنبت بالدهن) ، فيكون الشرب مصدرا مضافا إلى فاعله، وبرد ماء الحشرج مفعوله. ومن العجيب أن العيني أعرب هذا الإعراب وفسر النزيف بذلك المعنى. والحشرج - بفتح الحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وفتح الراء المهملة وبعدها جيم -: النقرة في الجبل يصفو فيها الماء.

الثالث وهو القسم بما يكون دعاء على نفسه، مثاله قول الشاعر:

أكلت دما إن لم أرعك بضرة ... بعيدة مهوى القرط طيبة النشر

قيل: معناه أكلت حراما، وقيل: يريد الدية، وأكلها أقبح الأشياء عند العرب.

وقول العباس بن الأحنف لما اتهمته فوز بجاريتها جمل:

زعم الرسول بأنني جمشته ... كذب الرسول وفالق الإصباح

إن كنت جشمت الرسول فصافحت ... كفاي كفي قابض الأرواح

وقول الآخر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015