ثم قال: ولولا رسمت لنا الأوائل في كتبها، وخلدت من عجائب حكمها، ودونت من محاسن سيرها، حتى شاهدنا به ما غاب عنا، وفتحنا به ما استغلق علينا، وأضفنا إلى قليلنا كثيرهم، وأدركنا ما لم ندركه إلا بهم، لقد كان يبخس حظنا من الحكمة؛ وتضعف أسبابنا عن المعرفة والفطنة. ولولا الكتب المدونة، والأخبار المخلدة، لبطل أكثر العلم، ولغلب سلطان النسيان على سلطان الذكر.

وكان يقال: إنفاق الفضة على كتب الآداب يخلفك عليه ذهب الألباب.

وقرأ أبو الحسن بن طباطبا العلوي في بعض الكتب: الكتب معقل العقلاء إليها يلجؤون، وبساتينهم فيها يتنزهون، فقال:

اجعل جليسك دفترا في نشره ... للميت من حكم العلوم نشور.

فكتاب علم للأديب موانس ... ومؤدب ومبشر ونذير.

ومفيد آداب ومؤنس وحشة ... وإذا انفردت فصاحب وسمير.

وقال المتنبي:

أعز مكان في الدنا سرج سابح ... وخير جليس في الزمان كتاب.

انتهى ما اخترناه من اليواقيت في مدح الكتب.

وقال جمال الدين إبراهيم بن القاقشوشي الكتبي في الكتب وأجاد ما أراد:

ورب صحب حووا جمع العلوم رضوا ... بالفقر ليس لهم قوت ولا مال.

في الحر والبرد أطمار الجلود لهم ... قمص وفخر لهم إذ هن أسماك.

سؤالهم بعيون الناس لا بفم ... ونطقهم بفم السؤال قوال.

كل يراهم ولا يدري بخبرهم ... إلا لبيب له في العلم إيغال.

يحيون في العلم ما عاشوا بلا ضجر ... الجد عندهم والمزح أمثال.

وربما اختلفت منهم عقائدهم ... ولا يرى بينهم قيل ولا قال.

فكن مصاحبهم تحيا بلا كدر ... ومن سواهم فختار وختال.

فإن علمت بعلمي عشت في دعة ... وإن جهلت فجل الناس جهال.

ذم الكتب- كان يقال: من تأدب من الكتاب صحف الكلام، ومن تفقه من الكتاب غير الأحكام. ومن تطبب من الكتاب قتل الأنام، ومن تنجم من الكتاب أخطأ الأيام وأنشد: ليس بعلم ما حوى القمطر=ما العلم إلا ما حواه الصدر.

وأنشدني مؤدب لي في صباي:

صاحب الكتب تراه أبدا ... غير ذي فهم ولكن ذا غلط.

كلما فتشته عن علمه ... قال علمي يا خليلي في سفط.

في كراريس جياد أحكمت ... وبخط أي خط أي خط.

فإذا قلت له هات إذن ... شد لحييه جميعا وامتخط.

وأنشد الجاحظ لمحمد بي يسير وهو أحسن ما قيل في معناه:

أما لو أعي كل ما أسمع ... وأحفظ من ذلك ما أجمع.

ولم أستفد غير ما قد جمع ... ت لقيل هو العلم المصقع.

ولكن نفسي إلى كل شيء ... من العلم تسمعه تنزع.

فلا أنا أحفظ ما قد جمع ... ت ولا أنا من جمعه أشبع.

ومن يك في علمه هكذا ... يكن دهره القهقرى يرجع.

إذا لم تكن حافظا واعيا=فجمعك للكتب لا ينفع.

وأنشد يوسف النحوي قول الشاعر:

أستودع العلم قرطاسا فضيعه ... وبئس مستودع العلم القراطيس.

فقال: قاتله الله ما أشد صبابته بالعلم، وأحسن صيانته له.

وقال أخر:

إني لأكون علما لا يكون معي ... إذا خلوت به في جوف حمام.

ولأبي بكر الخوارزمي فصل في آفات الكتب نظم نكتها تلميذ له فقال:

عليك بالحفظ دون الجمع في كتب ... فإن للكتب آفات تفرقها.

الماء يغرقها والنار تحرقها ... واللص يسرقها والفار يخرقها.

انتهى ما أورده الثعالبي.

وقال آخر في ذلك:

الكتب تذكرة لمن هو عالم ... وصوابها بخطائها معجون.

من لم يشافه عالما بأصوله ... فيقينه في المشكلات ظنون.

وقال آخر:

يظن الغمر أن الكتب تهدي ... أخا جهل لإدراك العلوم.

وما علم الغبي بان فيها ... مهامه حيرت عقل الفهيم.

إذا رمت العلوم بغير شيخ ... ضللت عن الصراط المستقيم.

فائدة، ممن اخذ العلم بالمطالعة من الكتب- دون شيخ- ابن حزم الظاهري، وابن الجوازي، ووقع لهما بسبب ذلك تصحيفات كثيرة.

وقيل والزمخشري صاحب الكشاف، وليس بصحيح.

مدح الغنى- قال ابن المعتز:

إذا كنت ذا ثروة من غنى ... فأنت المسود في العالم.

وحسبك من نسب صورة ... تخبر أنك من آدم.

وقال أب الأسود الدؤلي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015